انتهَت حالة الطوارئ السياسية التي مرّ بها لبنان في يومٍ تاريخي، استحضر فيه الجميع أجواء الحرب الأهلية، وسط مشهدٍ انقسامي عنوانه قانون الانتخابات النيابية والفراغ البرلماني أو التمديد. غير أن محرّكات الاتصال التي عمِلت على أكثر من سكّة، نجحت إلى حدّ ما في ترحيل الأزمة مدّة شهر كامل. ما بين 13 نيسان والمادة 59 من الدستور، استرخت الأعصاب المشدودة، وأعطَت اللاعبين السياسيين فرصة إضافية للوصول إلى قانون انتخابات، تحت وطأة سيف الوقت المُصلت على رؤوس الجميع.

ما حصل لم يكُن سوى «تنفيسة» يُمكن أن تكون الأخيرة، بعدما وصلت الأزمة إلى حدّ اللعب بالشارع. ورغمّ التفاؤل الذي رافقها، برزت في الساعات الأخيرة معلومات تشير إلى أن التوافق على اقتراح قانون «التأهيل الطائفي» لم يصدر بعد من جميع القوى المؤثرة. فالمعارضة القواتية والاشتراكية له بالمرصاد، فيما لا يزال موقف تيار «المستقبل» مُلتبساً، إذ أكدت مصادر وزارية أن «الرئيس سعد الحريري عبّر عن قبوله بالمشروع، ثم عاد مدير مكتبه نادر الحريري ليتحدّث عن وجود ملاحظات عليه». وأبرز هذه الملاحظات أن يتأهل 3 مرشحين عن كل مقعد، لا مرشحان فقط، إضافة إلى تقسيم بعض الدوائر.
وفيما أخذ التيار الوطني الحرّ على عاتقه تأمين موافقة «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، زار الوزير وائل أبو فاعور أمس عين التينة وأبلغ الرئيس نبيه برّي رفض الحزب الاشتراكي هذه الصيغة، بعد أن غرّد النائب وليد جنبلاط أكثر من مرّة على صفحته على تويتر مهاجماً الطرح وصاحبه، قائلاً في الذكرى الـ42 لانتهاء الحرب الأهلية «42 عاماً لاحقاً، يا له من عقل مريض يطلّ علينا بقانون انتخابي يفرز ويفرّق بدل أن يقرّب ويجمّع».
أما القوات اللبنانية، فقد أكدت مصادرها «استحالة القبول بالطرح كما هو». وقالت المصادر لـ«الأخبار» إن «القوات لديها الكثير من الملاحظات على هذا المشروع، وقد أبلغت المعنيين بها»، مطالبةً بـ«عدد من التعديلات التي تجعل من هذه الصيغة قابلة للحياة». وجزمت المصادر بأنه «في حال لم تؤخذ هذه الملاحظات في الاعتبار، فإن القوات لن تسير بالمشروع». وقالت إن القوات «لم تعترض على تأهيل مرشّحين عن كل مقعد»، لافتة إلى أن «ملاحظاتها ترتبط بالصوت التفضيلي والدوائر». وأكدت المصادر أن القوات «تخوض معركة منذ صباح أمس ضد القانون المطروح، وأن الاتصالات مستمرة مع التيار الوطني الحر وتيار المستقبل». من جهتها، قالت مصادر حركة أمل لـ«الأخبار»: «لا اتفاق على مشروع القانون بعد، لكن هناك كلام إيجابي بشأنه». ولفتت إلى أن «ما ينص عليه القانون بشأن حصر عدد المؤهلين عن كل مقعد بمرشّحَين اثنين فقط لم يُحسم بعد».
وللتذكير، فإن اقتراح قانون التأهيل الطائفي يقوم على فكرة أن تُجرى الانتخابات على مرحلتين: في الاولى، يقترع المسلمون لمرشحين مسلمين، والمسيحيون لمرشحين مسيحيين. وبعد فرز الأصوات، يتأهل عن كل مقعد المرشحان اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات. وفي المرحلة الثانية، تُجرى الانتخابات وفق النظام النسبي، لكنها تكون محصورة بين المؤهلين من المرحلة الاولى، والبالغ عددهم 256 مرشحاً. وسبق أن اقترح الرئيس نبيه بري هذا المشروع قبل أشهر، مقترحاً أن يتأهل إلى المرحلة الثانية كل مرشح يحصل على 10 في المئة من أصوات طائفته. وبعد رفض التيار الوطني الحر لهذا الاقتراح، عاد وزير الخارجية جبران باسيل وتبنّاه، بعد إدخال تعديلات عليه، وأهمها حصر التأهيل إلى المرحلة الثانية بمرشّحَين فقط عن كل مقعد.
وفيما بقيت التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الرئيس ميشال عون إلى استخدام المادة 59، والحديث عن أنه جرى التوافق عليه في الكواليس مع الرئيسين بري والحريري، أكد رئيس المجلس النيابي أن خطوة عون «لم تكن مدار بحث مع الأفرقاء، ولم يكُن هناك توافق عليها»، كاشفاً أنه رفض استقبال وفد من التيار الوطني الحرّ قبل الكلمة التي ألقاها عون وأعلن فيها تأجيل انعقاد مجلس النواب». وفيما تلقّى بري خطوة عون بإيجابية لسحب فتيل التوتر، ترى مصادر قريبة منه أن رئيس المجلس كان على علم بأن عون سيستخدم هذه الصلاحية، فسبقه وحدّد الجلسة في 15 نيسان. والآن، وبعد أن تم تأجيلها مدة شهر، أي لتاريخ 15 أيار، يكون برّي، بحسب المصادر، قد سحب آخر ورقة يُمكن استخدامها لمنع التمديد، «في حال احتجنا إليه لتحاشي الفراغ».
في المقابل، عبّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن ارتياحه لردود الفعل التي صدرت عن القيادات السياسية ومختلف الهيئات الشعبية والنقابية، بعد القرار الذي اتخذه بتأجيل انعقاد المجلس، آملاً أن «تكون المهلة التي أتاحها قراره فرصة إضافية يتمّ خلالها الاتفاق على قانون يجسّد تطلعات اللبنانيين».
من جهته، عبّر البطريرك بشارة الراعي عن رفض التمديد للمجلس النيابي، «وسيكون لنا موقف في حال حصل». وفي ومقابلة له مع برنامج «كلام الناس»، أكد قبول التمديد التقني، «ولو سنة وأكثر، إذا ارتبط بقانون جديد».

المصدر: الأخبار