بعد أيام من عرض قناة الميادين لوثائقي عن الراحل سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله والدور الإرهابي السعودي في محاولة اغتياله في العام 1985 في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي المحاولة التي أدت إلى استشهاد وجرح العشرات من المدنيين، افتتح القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري يوم أمس ندوة تحت عنوان "الامام الصدر نهج الاعتدال"، شارك فيها عدد من الشخصيات اللبنانية.
لا أعتقد أن خبر هذه الندوة يمكن أن يمر في فكر عاقل دون أن يثير لديه التعجب. فإذا كنا نحن اللبنانيين مقصرين في شأن سماحة الإمام ولا نلتفت إلا في مناسبات قليلة إلى ذكرى تغييبه ورفيقيه، فما هذا الحرص من السعوديين على إقامة ندوة حول الإمام، ولا مناسبة حتى متعلقة به لتكون باعثاً على عقد ندوة حوله. فهل هو الحب السعودي لرجال في قامة هذا الإمام العظيم ما دفعهم إلى إقامة هذه الندوة، أم هو اعتدال الإمام الذي دفعهم إلى ذلك حقاً؟
الموضوع دافعٌ إلى التعجب والحيرة، أن تقيم مثل هذه الندوة دولة عربية رائدة فيما يسمى "الاعتدال العربي" البغيض، دولة ظالمة لجزء من شعبها، ولعدد من الشعوب العربية، في البحرين واليمن وسوريا، دولة منقادةٌ قيادةً وسياسةً إلى الولايات المتحدة، عدوة الأحرار والمقاومين الأولى، والإمامُ الصدر كان في لبنان سيدهم وقائدهم، والذي لو كان ما زال بيننا لما كان ليسكت على العدوان والإجرام السعوديَّين بحق ملايين المظلومين في العالم.
الجمع بين كلمتي السعودية والاعتدال جمعٌ عجيب غريب، فهذه الدولة الوهابية لا علاقة لها بأي اعتدال كان، سوى في اعتدالها وعدلها في توزيع إرهابها على الدول، وفي غير ذلك فهذه الدولة نقيض أي اعتدال آخر.
أما أن تهتم السفارة السعودية في لبنان باعتدال الإمام الصدر فأغرب وأعجب: دولةٌ تحارب كل مذهب إسلامي لا يتبع الفكر الوهابي، وما تزال تحيا في فكر الجاهلية الظلامي، وتقمع وتقتل من دون أي شعور بالإنسانية، تحشد من استطاعت أن تحشده للحديث عن حامل لواء التنوير والمقاومة والحوار مع الآخر المخالف دينياً وسياسياً وفكرياً، رجل الاعتدال ضد التعصب والتطرف الديني والفكري والسياسي، لا رجل الاعتدال كما يفهمه السعودي وأمثاله.
الفرق بين الاعتدال وفق المنظور السعودي والاعتدال الصدري كالفرق بين دولة الجور ودولة العدل، كالفرق بين الليل والنهار، كالفرق بين فكر ابن تيمية الظلامي وفكر السيد موسى الصدر التنويري، ولن تنطلي خدعة السفارة السعودية على أحد، حتى على بعض الذين شاركوا في هذه الندوة الذين يعلمون أن لا مكان لهم في مثلها لو كانت مقامة في أي دارة أو دار أو محفل أو حيّ من أحياء ودور أبناء الإمام الصدر الحقيقيين.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع