عند محافل الويلات العربية، يهرع ذوو المنابر لاستظهار كلماتهم الاستنكارية تصويباً نحو العدو السياسي لا لشيء آخر، فالأحداث التي هزت الانسانية خضعت للتنقيح والتحميض قبل نشرها في الاستديوهات وعرضها بالأبيض والاسود على الرأي العام.
الأزمة السورية تستحق الوقوف عندها مطولاً لكشف المطابخ الداخلية، من افتعال الجرائم وفبركة الأزمات، وتفاعل ممتهني الادانات ومثيري القلق لا شيء آخر، وغالبا ما كانوا اطرافاً في تلك الحوادث، فلم يعد يجدي التحدث عن الدول الداعمة والممولة للارهاب في سوريا، كلنا بات يعلمها، ويعلم أنها ترأس منظمات أممية لحقوق الإنسان، ونعلم أنها حين أقدمت على مجزرة ال700 شهيد في اليمن، دفعت أموالا لتسكت المنظمات الحقوقية التي استنكرت لمرة وحيدة ويبدو انها أخيرة.
ما حصل أمس في سوريا ليس فريداً من نوعه، من منا نسي تفجير دمشق الذي أراق دماء عدد كبير من السوريين في انفجار السبع بحرات مطلع العام 2013 ؟ حينها لم ير المجتمع الدولي حاجة للاستنكار او مجرد الحديث عن الموضوع، كذلك تفجيرات شارع الزهراء في حمص التي باتت تحصل بشكل يومي دون أي اعتبار أممي حقوقي، كذلك تفجيرات شارع مقام السيدة زينب، عدا عن صواريخ "الثوار" التي كانت تسقط بشكل يومي في دمشق على المدنيين وعناصر الجيش السوري.
هذا الاستعراض ليس من شأنه البحث عن القاصي والداني، ولا العثور على لجنة حقوقية تؤتي عوائل الشهداء حقوقهم، إنما وجب ذكرها كي لا يشعر القادمون من أجيالنا أن القتل بات عادة وأن الدماء باتت رخيصة سهلة الإراقة.
هذا الاستعراض ليس من شأنه جذب الأنظار ولا من شأنه تحريك المشاعر إن وجدت إنما وجب ذكرها كي لا يشعر تجار الإنسانية أنهم قد سلموا، وأن ألعابهم خفية، وأن من كان منا غير قادر على فعل شيء لا يزال يرى، يراقب ويشكو، وما كنا يوما من دعاة الشكوى والنظر فقط.
أسلاف الارهابيين وممولوهم يعلمون أن على طول طريق الجلجلة لطالما أزهرت الدماء نصراً ولطالما كان الشهداء بداية نهايتهم.
كذا ينذر الجيش السوري والحلفاء في سوريا بعد فاجعة قوافل النازحين من كفريا والفوعة، الرد سيكون في الميدان لا في في بياناتٍ هشة ستهترئ قبل الوصول الى منابر مجلس الأمن الدولي.
مع بدء توارد أنباء التفجير الارهابي الاخير، سارعت القناة القطرية وقناة ال سعود وقنوات المسلحين لقطف الحدث والبحث عن تفاصيل لقلب الطاولة قبل أن تسقط على رؤوسهم، مُدت أصابع الاتهام كالعادة الى النظام السوري، فيما حرص الأخير على صون قوافل المسلحين النازحين من مضايا والزبداني. ذاك الحرص لن يراه تجار الانسانية، بل لن يروا كل سماحة النظام وتعليمات الرئيس السوري بشار الأسد لاتمام المصالحات، هذا لن يعجب المعادين لسوريا لأن المطلوب حقن المزيد من الدماء والاستثمار الدولي في مجالس الدول الكبرى، فتتجانس معها شاشات التلفزة وأوراق الصحف الصفراء والتغريدات المقيتة، ليتحسسها قاطفو الانسانية ثماراً بائتة لن تخرج بعد اليوم من سلال الجرائم الارهابية.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع