هنا، حيث فلسطين ممتدة امام العين كأرض الأحلام، وحيث الشريط الشائك قضبان اسر تلف البلاد، نقرأ اخباركم ولا ندري ايّ المشاعر فينا اشد: الذهول امام عشق الارض الذي قربانه سنين العمر او الغيرة منكم انتم الذين تكتبون بأيامكم معنى الحرية فيما نعجز احيانا عن خطّ سطور قليلة تكتبكم. الخجل الذي يجعلنا احيانا نصمت فيما تتوالى حملات التضامن معكم، لعلمنا اننا لا نملك ما نقول في حضرة حريتكم المشعة من ابتساماتكم في مواجهة السجان.
حسنا، ربما لا شيء نقوله او نفعله يمكن ان يوازي يوما واحدا لكم خلف قضبان الاعتقال بتهمة عشق فلسطين. نحن ايضا عشاقها، لكننا ندري ان العشق درجات وانتم سموتم في درجاته حدّ التضحية طوعا بحياتكم ويومياتكم، وبهذه التضحية كتبتم فخر فلسطين وفخر كل مؤمن بحريتها في كل اقاصي الارض.
خلف القضبان كما في الطريق اليها، تابعتم صنع الرعب للعدو. تابعتم المعركة ولم تلتفتوا الى من صالح ومن ساوم ومن خان. لم تسقطوا في وهم التفاوض. ففرضتم شروطكم على المحتل، انتفاضة اسرى ومعارك الامعاء الخاوية. ولم تفاوضوا يوما على حقكم بالقتال. لم تترددوا لحظة في مقارعة اعدائكم ببسمة تشعل فيهم الف نار وبكلمات تزلزل الارض تحت اقدامهم المرتجفة. انتم رعبهم القاتل. انتم سجانوهم في ظلمة الخوف منكم، مما يمكن ان تفعلوه بهم لو كنتم خارج الاسر. فعدوكم اكثر الناس ثقة بقدرتكم الساطعة على تفكيك نسيجه الهجين، وعلى استئصاله من الارض ومن نفوس استسهلت الخيانة وحللت لنفسها بؤس العمالة والتصالح والتطبيع.
والخونة ايضا يعرفونكم حق المعرفة، ويعرفون انكم الدليل الحي على ان المقاومة خيار متاح في كل حين وان لا حجة للخائن ان قال لم اجد خيارا اخر. هؤلاء، وان كثروا عددا وان تولى بعضهم مناصب وهمية تدعي الحرص عليكم وعلى فلسطين، هم اكثر المتضررين من حريتكم، حتى تلك المقيدة خلف اسوار العزل وزنازين المعتقلات. فوح نضالكم يفضح نتانة صفقاتهم، وسحر ابتسامتكم يعري انياب خيانتهم.
ونحن، نحن الذين نراقب حكاياتكم بصمت حينا واحيانا بالكلمات، نعرفكم ايضا، ونعرف مقدار انبهارنا بكم من لهفة قلوبنا حين نلتقي بأسير محرر، لهفة تجعلنا نتعامل مع كل اسير بخجل وتقدير ينعكس حتى في سلامنا. وكيف يمكننا عكس ذلك ونحن ندري اننا امام بطولة منزهة خالصة؟
ابطالنا في الأسر، احرارنا في الاسر، رجالا ونساء واطفالا.. انتم الذين تتصدرون المسير من داخل فلسطين المحتلة الى قبب فلسطين المحررة، وانتم الضوء حين تأكل العتمة الطريق وتوقع ضعاف الخطوات في انفاق الخيانة الرطبة المكتظة بعفن التواطؤ وقذارة بيع النفوس. وقبل كل ذلك، انتم المنزهون عن الخطايا، الذين ارتضيتم شرف المحاولة فكنتم كابوس الاحتلال واجمل اجمل صناع الحرية.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع