أعتقد أنه من السذاجه بمكان ان نؤمن بأن كل ما يحدث في منطقتنا هو محض صدفة قد تدخل فيها يد السياسة احياناً لكنها لا تغير فيها الكثير. منذ تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم في الدولة الأقوى في العالم على الصعد كافة، اعتقد الكثيرون أن النهج الأميركي سيتغير وأن المنطقة متجهه نحو زمن "الربيع" الحقيقي الذي تنشده تلك الشعوب التي تكابد كل انواع الظلم.
في الحديث عن سياسة ترامب، التي باتت واضحة المعالم بعد التطورات الاخيرة في سوريا وأفغانستان والتجاذب السياسي الحاد مع كوريا الشمالية، أوفد الرئيس ترامب وزير الدفاع جايمس ماتيس في أولى جولاته الشرق أوسطية، وفي ذلك دلالات عدة يجب أن نستخلصها. ماتيس المعروف بشخصيته الصلبة والعدائية التي لا تعرف الا الحديد والنار والذي ترعرع في بيئة عسكرية بحتة، كرر الخطاب الاميركي الكلاسيكي الذي كان يسبق كل الحروب، سنضرب الارهاب، سندافع عن مصالح الولايات المتحدة، سنحد من نفوذ ايران ونجفف مصادر تمويل الارهاب، ان مستقبل سوريا يجب ان يكون من دون بشار الاسد...
لماذا لم يوفد الرئيس ترامب وزير خارجيته مثلا او احد الديبلوماسيين؟ لماذا ماتيس المعروف بكل ما اسلفنا ذكره؟ من الواضح ان توجهات ترامب حيال المنطقة تصعيدية، يظهر ذلك من خلال الضربة الاخيرة على مطار الشعيرات في سوريا وان لم تسفر عن تغيير في ميزان القوى، التصعيد في اليمن، مساعدة التحالف الاسلامي بقيادة السعودية في السيطرة على ميناء الحُديدة، ضرب افغانستان بقنبلة غير مسبوقة من حيث النوع والقوة التدميرية، التهديد والتصعيد السياسي بين الولايات المتحدة وبين كوريا الشمالية، وهو ما يعتبر رسالة ردع استباقية ومباشرة الى الصين وغير مباشره لروسيا، ويأتي الحديث اليوم عن نشر أكثر من خمسين الف جندي أميركي في سوريا بحجة محاربة الارهاب وربما نظام الرئيس بشار الأسد.
لا يمكن اعتبار كل ما ذُكر طبيعياً او يأتي في سياق سياسي فقط لا ينذر بتدحرج اخطر لتطورات الميدان والسياسة في المنطقة. صحيح ان العالم لا يُحكم من طرف واحد وصحيح ايضاً أن المحور المقابل بقيادة روسيا يمتلك العديد من نقاط القوة التي "يجب" ان يستخدمها إن أراد ان لا يعود العالم بإدارة القطب الواحد. كما أنه من غير المنطقى في مكان أن يعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الوعد الذي اخذه من نظيره الاميركي بعدم تكرار الضربة على سوريا وعداً نافذاً ورادعاً لجشع السياسات الأميركية. ومن غير المنطقي ايضاً "ربما"، أن يكتفي "محور موسكو" بالتنديد والمطالبة بلجان تحقيق دولية محايدة وراء كل ضربة أمريكية.
لعل المنطق يقول، إنه ينبغي لهذا المحور الممتد من موسكو مرورا ببيكين وطهران ودمشق وغيرها من عواصم "الممانعة" ان يردع سياسة الرئيس ترامب بما يردعها فعلاً، وهي حتماً لن تُردع بالخطابات والتنديد والوعود التي تبقى في سياق الوعود السياسية لكن الميدان لطالما كان بوادٍ آخر. هذا ما عودتنا عليه السياسات الأمريكية المتعاقبة.
رغم ذلك كله من المبكر الحديث عن توجه واضح وقطعي لما ستؤول اليه الامور في منطقتنا، لكن ارهاصات الحرب الكبرى يبدو باتت ظاهرة أكثر من أي وقت مضى، فهل نحن أمام المواجهة الكبرى التي ستعيد تغيير وجه العالم من جديد بالحديد والنار، أم أن للسياسة رأياً آخر يعيد ترتيب المشهد ويكتفي بما أُزهق من أرواح أطفال ونساء منطقتنا المنكوبه؟
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع