هكذا نُقلت الأموال إلى أمير «داعش» في عرسال والقلمون

مئات آلاف الدولارات حُوِّلت إلى تنظيم «داعش» في جرود عرسال والقلمون. هنا حكاية رجال أعمال وتجار ضالعين في تمويل مسلّحي الجرود، بعضهم بقصد الربح، والبعض الآخر خدمةً للعقيدة. وفيما يُرتقب صدور القرار الاتهامي في خلال أيام، تنشر «الأخبار» ملخّص محاضر التحقيقات مع الموقوفين في ملف خلايا مكاتب تحويل الأموال المتورطة في تمويل الإرهاب التي تمكّن الأمن العام من تفكيكها.

لم يسبق أن ضُرِب شريان تمويل رئيسي لتنظيم «داعش» في لبنان بحجم عملية ضبط مكاتب تحويل الأموال التي نفّذها الأمن العام بدءاً من الثالث من شباط الماضي. قبل هذه العملية سُجِّلت عملية يتيمة أوقف فيها إبراهيم بركات، أحد قياديي «داعش» والمفتي الشرعي في التنظيم الذي كان مرتبطاً مباشرة بالمتحدث الرسمي باسم «الدولة» أبو محمد العدناني، والذي تبين أنّ مقيماً في أستراليا حوّل له مئات آلاف الدولارات على شكل هبات خيرية.

ورغم تخفيف مصادر أمنية من وطأة تأثير عملية الأمن العام على تمويل «داعش»، إلا أنّ مصادر أمنية ناشطة على صعيد مكافحة الإرهاب رأت أن هذه الضربة ستُنهك عناصر التنظيم في جرود عرسال والقلمون على الأقل، بالتزامن مع توالي الضربات العسكرية التي يتلقاها في الموصل والرقة، وخسارته موارد مالية ضخمة جراء فقدانه زمام التحكم بالنفط في السوق السوداء. فضلاً عن خسارته مساحات شاسعة في العراق ونقاط عبور كانت توفّر دخلاً لعناصره من «الخوّات» المفروضة على التجار.
تفكيك الخلية الناشطة في تحويل أموال لـ «داعش» نفذها الأمن العام بعد متابعة بشرية وتقنية وفنية، ليتبين أن أفرادها ليسوا سوى تجار ورجال أعمال سوريين ولبنانيين يعملون في تحويل الأموال وغسلها بين لبنان وسوريا والعراق وتركيا بطرق غير مشروعة. وبيّنت التحقيقات أن دور هؤلاء يتفرّع في أكثر من اتجاه. ورغم أن القسم الأكبر منهم يقوم بهذه العمليات غير المشروعة منذ سنوات بقصد الربح المادي فحسب، إلا أن قسماً من المشتبه فيهم كانوا يدركون أن عملياتهم تجري لمصلحة التنظيم المتشدد، فيما يتولى آخرون تحويل المبالغ المالية المتأتية جراء غسل الأموال بطرق مختلفة، لتُنقل باليد إلى مسلحي «داعش» وأمرائها في القلمون.
ضُبط رأس الخيط في أثناء مراقبة ضباط الأمن العام مشتبهاً فيه ينشط أمنياً في صفوف التنظيم. وكشفت عملية الرصد تردد المشتبه فيه إلى مكتب لتحويل الأموال في منطقة الرحاب لإرسال مبالغ مالية إلى أشخاص في عرسال، تبيّن أنهم مرتبطون بتنظيم «داعش». تتبّع عناصر الأمن العام المشتبه فيهم واحداً واحداً قبل توقيفهم تباعاً. ورغم أن عدداً منهم أُخلي سبيله لاحقاً، إلا أن الباقين، بحسب محاضر التحقيق، أدلوا باعترافات تثبت ضلوعهم بتمويل التنظيم المتطرف مع علمهم بذلك. الموقوف محمد رومي الملقب بـ «أبو أحمد» الذي أوقف في بداية شباط الماضي (يملك محلّي ألبسة نسائية في دمشق وفي محلة الرحاب في لبنان)، اعترف بتسلّم مبالغ مالية من المدعو علي الرقاوي (مجهول الهوية) والموقوفين رائد ح. وشادي ب.، وبأنه أرسلها إلى عرسال لمصلحة «داعش» مع سائق فان يُدعى خليل ع. (أوقف لاحقاً). وكشف «أبو أحمد» أنّ مجموع المبالغ المرسلة بلغ نحو 900 ألف دولار، أما قيمة ما تسلمه الرومي، فناهز مليوناً ونصف مليون دولار، في خلال عامَي 2015 و2016.
ومن بين المتهمين، برز اسم عبد القادر سويد، الملقب بـ «الشيخ أبو الحسن»، الذي كان «المسهّل المالي» في معظم عمليات التحويل. وكشفت التحقيقات أنّ «الشيخ» كان موجوداً في عرسال عام 2015، قبل أنّ يغادر إلى السودان، ومنها إلى تركيا حيث يستقر حالياً. وعلمت «الأخبار» أنّ الأمن العام راسل الاستخبارات التركية لإبلاغها بالتورط الأمني للمشتبه فيه، لكن لم تُتّخذ إي إجراءات بحقه. وبيّنت اعترافات الموقوفين أنّ سويد ناشط في مجال التحويلات المالية لمصلحة «داعش»، تحت غطاء «جمعية البنيان المرصوص»، علماً أن علاقة وثيقة تربطه بقيادة التنظيم في القلمون.
في آب عام ٢٠١٥، طلب أمير «قاطع القلمون» السابق أبو بلقيس العراقي من سويد إرسال اسم الوسيط أحمد رومي ورقم هاتفه، طالباً منه تسليمه 100 ألف دولار، إضافة إلى كلفة النقل التي تراوح بين 1200 و1400 دولار. (قُتل أبو بلقيس لاحقاً في اشتباكات داخلية بين عناصر التنظيم نفسه، وبحسب المعلومات فإنّه كان مسؤولاً عن عسكريي الجيش اللبناني المخطوفين لدى التنظيم المتشدد). وكانت الأموال تُنقل بواسطة سائق فان للنقل العمومي يدعى خليل ع. (لبناني)، يتسلم الأموال من السوري محمد ق. الملقب بـ «أبو عبدو» الذي يملك معملاً للألبسة في بلدة تعلبايا، ثم ينقلها إلى السوري علاء الناصر في عرسال، لقاء عمولة قدرها 100000 ليرة عن كل 20 ألف دولار. وبلغت قيمة الأموال التي نقلها على دفعات لمصلحة الجماعات الإرهابية في جرود عرسال نحو مليون دولار في خلال عامي 2015 و2016. وأفاد الموقوف بأن «أبو عبدو» اشترى ألبسة جاهزة من أحد المحلات في تركيا، بقيمة 45 ألف دولار، وطلب منه الرومي منحه المبلغ في لبنان، على أن يسدد المبلغ في تركيا، ليتبين أنّ مَن سدَّد المبلغ في تركيا هم أشخاص يتبعون للجماعات الإرهابية في سوريا. هذه عيّنة عن الأسلوب الذي كان يعتمده هؤلاء في غسل الأموال. إذ كانت تُشترى بضائع في تُركيا، يُقبض ثمنها في لبنان، ثم يتولى ناشطون في صفوف التنظيم تسديد المبالغ المستحقة للبائع في تركيا. فضلاً عن أن عدداً من هؤلاء التجار كان يتّخذ من تجارته غطاءً لعمله غير الشرعي في تحويل الأموال.
رائد ع. الملقب بـ «أبو جمعة»، كان أحد الموقوفين الذي يشغل منصب مدير وشريك في مكتب تحويل الأموال الكائن في محلة الرحاب. كان رائد يستعمل المكتب غطاءً لتحويلات مالية غير مشروعة، وكان يستخدم برامج «سوداء» لإخفاء عملياته (برنامج Euro Plus، وهو برنامج رديف لحفظ التحويلات غير الشرعية). وكشفت التحقيقات أنّه كان مرتبطاً بعضو العلاقات الخارجية في «حركة أحرار الشام» حسين دعبول. وفور افتضاح أمره، أخفى الموظف لديه نضال ح. أجهزة الهاتف العائدة لرائد، قبل توقيفه.
وكشفت الاعترافات أنّ الفلسطيني عبد الكريم م.، بالتعاون مع صاحب إحدى شركات الصيرفة، كان ينقل المبالغ النقدية لمصلحة السوري محمد اللّو، وأنه في يوم عملية الدهم نقل نصف مليون دولار أميركي من اللّو وسلّمها لصاحب الشركة. الفلسطيني المذكور أوقف منذ شهر تقريباً، واعترف بأنه يعمل في شركة FRIENDLY لمواد التنظيف العائد لمحمد اللّو في محلة الحمرا. وذكر أن رب عمله يمتلك أيضاً محال ألبسة نسائية، وأنّ هذه المحلات تستعمل كغطاء لنشاط صاحبها الحقيقي في مجال تحويل مبالغ ضخمة من خلال بعض شركات الصيرفة الواردة أسماؤها في التحقيقات.
الأمن العام أوقف اللّو الذي يمتلك ستة محلات في سوق الحريقة وشركة للصيرفة في دمشق، إضافة إلى محل ألبسة ومكتب Friendly لبيع مواد التنظيف في لبنان. وهذا العدد من المتاجر التي يملكها تكفي للتغطية على تحويلات يومية بعشرات آلاف الدولارات، ما جعله «الصيد الأكبر» بين الموقوفين. وفور صدور القرار بتوقيفه، دُهمَ محل الألبسة الكائن في الحمرا، وعُثر فيه على حقيبة حاسوب سوداء تحتوي على مبلغ مالي، ادعى اللّو أنه بقيمة 160 ألف دولار أميركي إلى جانب شيكين مصرفين بقيمة 900,000 يورو وإشعارات بتسلّم مبالغ من أشخاص بنحو مليوني دولار. وقد اعترف الموقوف بأنّه على خلفية عمليات الدهم التي طاولت شركات تحويل الأموال مسح كافة البيانات الموجودة على كاميرات الـ DVR في مكتبه في الحمرا. وفرّغ محتوى هواتفه الخلوية ونقل كافة البيانات إلى جهاز اللابتوب العائد إلى ابنته خوفاً من انكشاف تورطه وللحفاظ على المعلومات ولمعرفة أسماء الأشخاص الذين يتعامل معهم والمبالغ المالية المستحقة له في ذمّتهم أو العكس. وكل ذلك بحسب محاضر التحقيق.

المصدر: رضوان مرتضى - الأخبار