بعد سقوطه برفض عدد من القوى السياسية له، دُفِن مشروع قانون «التأهيل الطائفي» أمس رسمياً، مع جزم رئيس مجلس النواب نبيه بري «عدم دستوريته»، وبدء القوى السياسية عرض صيغ انتخابية جديدة، يعلن أولاها الحزب الاشتراكي اليوم، وثانيتها بري الأسبوع المقبل، وثالثتها تيار المستقبل حين «يجهز»
دفن مشروع القانون التأهيلي يوم أمس رسمياً، وبات كل حديث عن التداول به أو إعادة إحيائه لا يدخل سوى ضمن محاولات تضييع إضافي للوقت، إلى حين حلول موعد 15 أيار وعقد جلسة نيابية لإقرار التمديد.
فرغم إبلاغ تيار المستقبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موافقته على التأهيلي بعد رفضه له، ورغم إبلاغ حزب الله موافقته عليه، اصطدم هذا المشروع بثلاثة فيتوات عجلت في موته: أولها الملاحظات القواتية عليه، ثانيها اعتراض حركة أمل، وثالثها رفض الحزب الاشتراكي. ويجزم رئيس مجلس النواب نبيه بري لزواره والمقربين منه أن «القانون التأهيلي غير دستوري ولا يمكن أن يقبل به إطلاقاً»، وذلك كفيل بإسقاطه بصرف النظر عن التعديلات والترقيعات التي تخرج بها بعض الأحزاب من حين لآخر.
وأكّدت مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ«الأخبار» أن البحث الانتخابي الجدي متوقف فعلياً منذ لقاء وزارة الخارجية مساء الأربعاء الماضي. ورأت المصادر «أننا بحاجة إلى قوة دفع تؤدي إلى حصول تقدّم يكسر حالة المراوحة». وعبّرت المصادر عن خشيتها من انقضاء المهلة التي تنتهي يوم 15 أيار، من دون التوصل إلى قانون انتخابي جديد.
وعلمت «الأخبار» أن الرئيس بري سيطرح صيغة انتخابية جديدة، منتصف الأسبوع المقبل، تعتمد على النسبية الكاملة في 6 دوائر. ويُعبّر مقربون من بري عن استعداده للبحث في زيادة عدد الدوائر إلى 9 أو 10. وتؤكد مصادر رئيس المجلس أن هذا الاقتراح يضمن وصول أكثر من 50 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين.
أما الدليل القاطع على موت التأهيلي، فجاء على لسان عضو كتلة المستقبل النائب عقاب صقر الذي أعلن عن «مسودة انتخابية باتت قابلة للتطبيق وهي قيد البحث». ولفت صقر الى أن «رئيس الحكومة سعد الحريري حريص على إبقائها في الغرف المغلقة كي لا نفقدها»، لافتاً الى أنه «لا يمكن القول إنها تتضمن قانون تأهيل»، بل فيها «رؤية لعدد من المشاريع ويمكن أن تلبي طموحات الجميع». وتيار المستقبل ليس وحيداً في اقتراح مشروع جديد، بل انضم إليه الحزب الاشتراكي الذي يعلن عن صيغة مشروعه الانتخابي اليوم، كما أكد النائب غازي العريضي. وهذه الصيغة تعتمد على النظام المختلط، بين النسبي والأكثري.
في ظل ذلك، لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يشدد على لاءاته الثلاث (لا للتمديد، لا لـ«الستين» ولا للفراغ) فيما تشدد مصادر التيار الوطني الحر على عدم إمكانية حصول فراغ، مستشهدة بالمادة 74 من الدستور التي تشير الى دعوة الهيئات الناخبة في حالة الشغور الرئاسي وكون المجلس النيابي منحلّاً. لكن استحضار هذه المادة الدستورية يعيد البلاد عملياً إلى قانون «الستين» الذي يرفع عون إحدى لاءاته ضده. فأي دعوة اليوم للهيئات الناخبة تعني أن الانتخابات ستجرى وفق القانون النافذ، ما يطرح السؤال عن مغبة الدخول في الفراغ والمخاطرة بالوضع العام للبلاد، ثم الذهاب الى انتخابات وفق «الستين». وما الذي يمنع في هذه الحالة إجراء الانتخابات مباشرة من دون المرور بالفراغ وتحميل البلد ما لا يمكنه احتماله، نظراً الى ما وصلت إليه الأمور من انقسام طائفي ومذهبي نتيجة التعبئة المذهبية التي رافقت اقتراح القوانين التأهيلية والتقسيمية؟ وكان لافتاً أمس خروج النائب بطرس حرب عن صمته خلال زيارته لبكركي، حيث شدد على تأييده موقف الراعي برفض الفراغ، «فهناك قانون حالي لا يجوز وقف مفاعيله وهو قانون نافذ، ما يفرض الدعوة الى إجراء انتخابات في ظل هذا القانون في انتظار أن يصار الاتفاق على قانون جديد». وسأل عما «يضطرنا الى الانتظار والوقوع في المخاطر. إذا لم نتفق على قانون انتخاب في الفترة المتبقية، فأنا أدعو الى تمديد تقني لأشهر قليلة جداً، على أن يصار الى تنفيذ القانون الساري المفعول وهو قانون الستين وأن تجرى الانتخابات على أساسه، لأن من غير الجائز أن يقع البلد في الفراغ، ومن غير الجائز أيضاً أن نعطل قوانين دون أن يكون المجلس قد قرر قانوناً بديلاً عنها».
على مقلب آخر، وبعد يوم على الجولة التي أجراها حزب الله للإعلاميين في جنوب لبنان، زار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بمرافقة وزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون منطقة الجنوب، أمس، انطلاقاً من مقر قوات الطوارئ الدولية في الناقورة. وعقد الثلاثة اجتماعاً مع قائد «اليونيفيل» الجنرال مايكل بيري، صرح الحريري على أثره أنه «أراد زيارة الضباط المرابطين على الحدود لشكرهم لأن الجيش اللبناني هو وحده المكلف بحماية الحدود والذي يدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها». أما بدء جولته من مقر اليونيفيل، فهي أيضاً «لشكر قوات حفظ السلام على العمل الذي يقومون به ولتأكيد التزام لبنان بكل قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 1701». وفيما أورد في تصريحه أن «إسرائيل تنتهك القرار 1701، والحكومة ترفع الانتهاكات إلى الأمم المتحدة»، أكد أن «الدولة في لبنان، من فخامة الرئيس إلى الحكومة وكل المؤسسات، حاسمة في تحرير ما تبقى من أراضينا المحتلة». والمهمة هذه وفقاً للحريري «يعززها العمل الدبلوماسي اليومي والتزامنا بالشرعية الدولية والقرار 1701». وعن سؤال حول جولة حزب الله الإعلامية يوم أول من أمس، رد الحريري بأن «الحكومة غير معنية بما حصل ولا تقبل به». وأعاد في معرض إجابته التأكيد مرتين على التزام الحكومة وبيانها الوزاري بالقرار 1701، مشيراً الى «اختلاف في بعض الأماكن بالسياسة، لكن هذا لا يعني أن تذهب الحكومة بناءً على هذا الاختلاف إلى مكان آخر». وختم قائلاً إنه «آن الأوان أن تفهم إسرائيل ضرورة الانتقال إلى وقف إطلاق النار، فمنذ 11 سنة ونحن على الموال نفسه، والحمد لله لم يحصل شيء». وما كاد الحريري ينهي جولته، حتى خرقت طائرتان استطلاعيتان تابعتان للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية من فوق بلدة الناقورة (بحسب بيان قيادة الجيش ــ مديرية التوجيه).
وكان وزير الشباب والرياضة محمد فنيش قد شرح أسباب الجولة التي قام بها حزب الله عقب غداء أقامه وزير المالية علي حسن خليل على شرف الحريري والوفد المرافق في استراحة صور السياحية، حضره فنيش والنائبان علي خريس وعبد المجيد صالح. فقال: «الجولة هي لتعريف الرأي العام المحلي والدولي على الوضع في الجنوب وطبيعة النوايا الإسرائيلية وما يحضّر له العدو. نحن لسنا معتدين، لكن بجهوزية تامة لمواجهة أي عدوان، وبالتالي أي مبالغة بتفسير هذا الأمر هي تعبير عن نوايا سيئة لدى المفسرين ولا علاقة لها بالحدث». وأشار إلى أن «من حق وسائل الإعلام أن تشاهد ما يحدث وأن توثق الخروقات الإسرائيلية».