بعد تأكيد المصادر السياسية دفن مشروع قانون التأهيل الطائفي، الذي اقترحه الرئيس نبيه بري، ثم تبنّاه الوزير جبران باسيل ونقّحه قبل أن تُدخِل عليه بعض القوى تعديلات إضافية، يبدو أن هذا المشروع عاد إلى الحياة من زاوية المفاوضات بشأن تقاسم المقاعد النيابية، مسبقاً. وتقاسم المقاعد لن يتم قبل الانتخابات وحسب، بل قبل إصدار القانون أيضاً. ويبدو أن الاتفاق قد أُنجِز بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، قبل أن تبدأ جولة مفاوضات مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والقوات اللبنانية. لكن حتى مساء أمس، كان بري ينفي أيّ اتفاق معه في هذا الصدد

هل كل الحديث عن معارضة قانون «التأهيل الطائفي» لم يكن سوى محاولة لغش المعارضين الحقيقيين له، والقول إنه لن يبصر النور، في انتظار تأمين اتفاق القوى الكبرى عليه، قبل فرضه أمراً واقعاً على الجميع؟ السؤال مردّه إلى معلومات أكدها أمس أكثر من مصدر جدي، تُشير إلى أن «التأهيل الطائفي» بُعِث من جديد، وأنه الوحيد المطروح حالياً على بساط البحث.

وفيما قال مصدر واسع الاطلاع إن الرئيس نبيه بري وافق على المشروع، نفى مصدر آخر ذلك، لكنه أشار الى محاولات حثيثة لإقناعه، متوقعاً الوصول إلى نتيجة «إيجابية» قريباً. وقال المصدر إن المشكلة أن الخيار اليوم هو بين أمرين: السير في مشروع قانون انتخاب، كيفما اتفق، قبل 15 أيار، أو الذهاب إلى التمديد الذي يعني فتح باب مشكلة شعبية طائفية لا أحد يعرف المدى الذي يمكن أن تصل إليه.

السلطة التي ضيّعت أربع سنوات في عدم التوافق على قانون جديد، وتلك التي تراجعت عن تعهداتها بالإصلاح والتغيير المستحيلين من دون قانون إصلاحي وتغييري، والقوى التي وضعت نفسها في موقع العاجز عن التغيير، والقوى التي صارت جزءاً لا يتجزأ من بنية الفساد، كلّها مجتمعة أوصلت البلاد إلى أزمة، لتزعم في ربع الساعة الاخير أنها ستُنقذ اللبنانيين منها بمشروع قانون ليس سوى نسخة رديئة عن النظام المعتمد في هذه البلاد منذ أكثر من 150 عاماً، ولم يجرّ عليها سوى الحروب والويلات والتهجير والفساد والتراجع الاقتصادي. ولئن كان من الظلم تحميل القانون الطائفي وحده مسؤولية كل مصائب اللبنانيين، إلا أن قانوناً إصلاحياً كان ليفتح باب العمل السياسي من داخل النظام أمام الذين سيحاولون الضغط على نواة الفساد، ليساعدوا «القوى التغييرية» على تنفيذ البرامج التي يزعمون السعي إلى تحقيقها.
وكانت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر قد أكدت لـ«الأخبار» أن «لا عقدة في شأن اقتراح القانون التأهيلي بين الأطراف الأربعة الرئيسيين»، أي التيار والمستقبل وحزب الله وحركة أمل. وأوضحت أن «الحزب والمستقبل يريان أن لا حل آخر، فيما أكدت «أمل» أنها لم تخرج من التزامها، لكنها تتحدث عن ضرورة العمل على تفادي أي مشكلة لاحقة في ظل الهجمة التي يتعرض لها الاقتراح». ولفتت المصادر الى أن «هناك حلولاً عدة للمشكلة الدستورية المتمثلة في حرمان الناخبين في بعض الدوائر من التصويت في الدورة الأولى؛ فهذه مرحلة تأهيل وليست مرحلة انتخاب، واعتمادها لن يكون إلا في الدوائر التي يوجد فيها مرشحون مسيحيون أو مسلمون فقط. وهذا يمكن تجنّبه بتكبير الدوائر ليكون التأهيل على مستوى أكبر من القضاء، إضافة إلى أفكار أخرى» لم تشأ الدخول في تفاصيلها.

بري: لم أسمع بـ«التأهيلي»!

في المقابل، نفى الرئيس بري ما يُشاع بشأن قبوله بـ«التأهيلي»، قائلاً: «التأهيلي؟ لم أسمع بهذا القانون مؤخّراً». وأوضح رئيس المجلس أمام زوّاره أنه أنجز صيغتين لمشروعي قانونين حتى الآن، لكنّه لن يطرح أيّاً منهما هذا الأسبوع، لكي يأخذ اقتراح القانون الذي تقدّم به الحزب التقدمي الاشتراكي مداه. وفي المعلومات، أن برّي أنجز صيغة لقانون على أساس النسبية الكاملة، في 6 دوائر أو 10، وهذا القانون باعتقاده يسمح لجميع القوى بأن تأخذ حجمها الطبيعي وحقّها، لا سيّما القوى المسيحية. أمّا الصيغة الثانية، فلا يزال متكتّماً عليها، لكن يمكن القول إنها بمثابة «العودة إلى تطبيق الطائف والدستور»، عبر مشروع كامل للبدء بإلغاء الطائفية السياسية وتطوير النظام السياسي عبر تشكيل مجلس شيوخ ومجلس نيابي خارج القيد الطائفي، و«لو كانت هذه الصيغ بمكانٍ ما تنقص حصة الشيعة في النظام». وجدّد بري أمام زوّاره أن الوصول إلى الفراغ غير مقبول، لأن الفراغ يهدّد الدولة ويوصل إلى مؤتمر تأسيسي، سائلاً: «هل يمكن عقد مؤتمر تأسيسي في ظلّ الظروف الحالية في لبنان والمنطقة؟». وأكّد أن «الجهة الأكثر تضرراً من التمديد هو نبيه برّي»، على اعتبار أن التمديد سيظهر وكأنه خيار شخصي، بينما الحال هي عكس ذلك، وخاصة أن حركة أمل تضمن نجاح كتلتها النيابية كاملة، وكذلك عودة بري إلى رئاسة المجلس.
وفي السياق، علمت «الأخبار» أن عدداً من النواب من 8 و14 آذار ينوون الطعن في القانون التأهيلي أمام المجلس الدستوري، في حال تمّ التوافق عليه، لمخالفته للدستور واتفاق الطائف.

الصفقة مع المستقبل

في العلن، لم يعد من معارضين لـ«التأهيلي» سوى بري والنائب وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية. لكن مروّجي المعلومات بشأن عودة التأهيلي إلى الحياة يتحدّثون عن إمكان عقد اتفاق مع جنبلاط يسمح بتراجعه عن الرفض. ويعزز هؤلاء كلامهم بالحديث عن اتفاق عُقِد بين الوزير جبران باسيل والرئيس سعد الحريري، يقضي بضمان تأهل عدد من مرشحي تيار المستقبل إلى عدد من المقاعد المسيحية في الدوائر ذات الغالبية المسلمة، (كبيروت الثالثة وعكار...). ونتيجة لهذه الاتفاق، يضمن التيار الوطني الحر تأهل اثنين من مرشحي المستقبل المسيحيين في بيروت الثالثة، واثنين من مرشحي المستقبل المسيحيين في عكار. وتقول المصادر نفسها إن ضمان فوز عدد من النواب المسيحيين المنضوين في كتلة جنبلاط سيدفعه إلى القبول بالتأهيلي.

ملاحظات القوات

أما القوات، فلا يرى مؤيدو التأهيلي في موقفها عائقاً يحول دون إقرار المشروع، رغم تأكيدهم أن باسيل لا يزال يناقش جعجع، وأقنعه بالتراجع عن بعض ملاحظاته، «لكن بقيت ملاحظات جوهرية كفيلة بنسف المشروع التأهيلي برمته»، أبرزها:
ــ نقل أربعة مقاعد مسيحية من قضاء الى آخر ومن دائرة الى أخرى: المقعد الماروني في طرابلس الى البترون، المقعد الماروني في البقاع الشمالي الى جبيل، المقعد الماروني في البقاع الغربي الى المتن الشمالي، المقعد الانجيلي في بيروت الثالثة الى الأشرفية.

ــ طلب تعديل دوائر بيروت بما يضمن وضع المدور مع الأشرفية وفصل الباشورة (تتضمن ثقلاً شيعياً) عنهما لضمّها الى المزرعة.
ــ المطالبة بأن يُحصر الصوت التفضيلي بالطائفة، إذ لا يكفي أن يتأهل النواب بالاقتراع الطائفي في المرحلة الأولى، بل ينبغي تطبيق الطائفية على الصوت التفضيلي بحيث لا يتمكن المسلمون من منح أصواتهم التفضيلية إلى مرشحين مسيحيين، والعكس الصحيح.
وفي إطار رفض القوات لمشروع «التأهيلي» الذي عدّله الوزير باسيل، كشف النائب فادي كرم أمس عن «صيغة انتخابية طرحناها على حليفنا التيار الوطني الحر، وهي صيغة متطورة وجيدة، لكنها ليست للتداول في وسائل الاعلام كي لا يصوّب عليها. وتبحث في الدوائر الضيقة لكي نتبنّاها أو نطوّرها»، مؤكداً رفض القوات النسبية الكاملة. ورأى كرم أن «جميع الافرقاء اللبنانيين يتعاطون بجدية مع القانون الانتخابي للوصول إلى قانون عادل من ضمن روح الطائف، باستثناء حزب الله الذي تفرد بقانون خارج عن معادلة الشراكة الصحيحة التي نص عليها الطائف، من أجل أن يبقى ممسكاً بالقرار اللبناني من خلال قانون أكثري مطلق». ويأتي كلام كرم في إطار محاولة القوات شيطنة النسبية، رغم أن القوات كان من أشرس المدافعين عنها وأول الموافقين على مشروع القانون الذي خرجت به لقاءات بكركي، ويقضي باعتماد النسبية الكاملة في 15 دائرة انتخابية.
في المقابل، ورغم موافقة تيار المستقبل على القانون التأهيلي، قال عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري في حديث إذاعي أمس إن «المشروع التأهيلي لم تكن لديه أي فرص نجاح منذ طرحه من وزير الخارجية، لأنه يتناقض مع اتفاق الطائف في موضوع العيش المشترك ويعقد الأمور». وغمز من قناة التيار والقوات بالإشارة الى أن «تصحيح الغبن اللاحق بالمسيحيين منذ سنوات يجب ألا يلحق الظلم بفريق آخر». واستغرب حوري «تهرّب بعض الكتل من النسبية الكاملة بعدما أبدى الحريري انفتاحاً عليها»!
يُذكر أن الحزب التقدمي الاشتراكي قدّم أول من أمس مشروعه لقانون الانتخاب، وهو نسخة منقّحة من اقتراح الرئيس بري المختلط، القائم على انتخاب 64 نائباً وفق النظام الاكثري في 26 دائرة هي دوائر قانون الستين، و64 نائباً وفق النظام الأكثري في 11 دائرة (تُقَسّم كل محافظة من المحافظات التاريخية إلى دائرتين، باستثناء جبل لبنان الذي يُقسّم إلى ثلاث دوائر). وامتدحت بعض القوى هذا الاقتراح علناً، لجهة كونه يتضمّن موافقة جنبلاط لاول مرة على اعتماد النسبية، ولو جزئياً، أو لأن الاشتراكي خرج للمرة الاولى عن صمته في ما يخص طرح مشاريع قوانين انتخابية. في المقابل، رأت غالبية القوى السياسية التي استطلعت «الأخبار» رأيها أن هذا الاقتراح سبق أن أشبِع درساً وتجاوزه النقاش.

المصدر: الأخبار