نفّذ الجيش اللبناني عملية نوعية في جرود عرسال. قتل جنوده «حسن الشرعي»، أحد مفتي «داعش» الذي أهدر دم العسكريين، وأفتى بإعدام رتيبٍ في فرع المعلومات وضرب نقاط الجيش العسكرية، واحتل مركز فصيلة قوى الأمن في عرسال عام 2014. هكذا، بدأ بنك الأهداف الذي حددته استخبارات الجيش يتقلّص شيئاً فشيئاً
قبل سنة وشهر، اتّخذ الجيش قراره بضرب الإرهاب في عقر داره. رسم استراتيجية مواجهة جديدة، ليُعلن حرباً لم تنته بعد. حربٌ لن يكون فيها حسن صبحي الملّيص الملقب بـ«حسن الشرعي»، أحد مفتي «داعش» في عرسال والقلمون، آخر الذين ستطالهم يد الجيش.
«الشرعي» هذا كان أحد أفراد الحلقة الضيقة لقيادة التنظيم في الجرود. فقد كان مقرّباً من الأمير العسكري لـ«الدولة» في القلمون أحمد طه المشهور بـ«أبو حسن الفلسطيني»، مطلق الصواريخ على الضاحية الجنوبية لبيروت ورفيق درب نعيم عباس، والذي تولى قيادة التنظيم بعد عزل أبو عبدالله العراقي. وطه هذا قُتِل في آب 2014، بقذيفة للجيش اللبناني، بعد أيام على إصداره الأمر باحتلال بلدة عرسال حينذاك. «حسن الشرعي» كان أيضاً مقرّباً من «أبو بلقيس العراقي» الذي تولى ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين من عرسال، قبل أن يُقتل بدوره في اشتباكات داخلية.
قبل سنة وشهر تماماً، حدّد الجيش «بنك أهداف» قوامه إرهابيون تلطّخت أيديهم بدماء عسكريين ومدنيين داخل الأراضي اللبنانية وخارجها. ضمّت اللائحة أيضاً أسماء أشخاص أثبتت التحقيقات والتحريات أنهم يتربّصون لتنفيذ عمليات أمنية في الداخل اللبناني متى أُتيح لهم ذلك. تعزِّزت عمليات الرصد والمراقبة قبل أن تنطلق الحرب الأمنية الضروس. كان الهاجس الأكبر ضرب رأس الإرهاب حيث لا يتوقّع لتتهاوى الأطراف، ترافق مع حرص شديد على عدم تعرض ضباط الجيش وعناصره لأي أذى، سواء نتيجة سوء تقدير أو خرق قد يوقع القوة المهاجمة في كمين قاتل. لذلك كانت الميزة الأبرز «نظافة العملية»، في جميع الضربات الأمنية التي نُفِّذت. فشاءت الأقدار أن لا يسقط أي شهيد للجيش في أي من هذه العمليات. والواضح أن هذا القرار لم يتأثر بتغيير قائد الجيش ومدير الاستخبارات في الأسابيع الماضية.
فاتحة العمليات كانت مع عملية الكوماندوس التي اصطادت أمير تنظيم «داعش» في عين الحلوة عماد ياسين من عقر داره. العملية النظيفة التي أُنجِزت باحترافية عالية، تبعتها عملية أكثر جرأة في عمق الجرود العرسالية لاقتناص «أمير» من عالم الإرهاب هو أحمد يوسف أمون. كرّت السبحة بعدها لتكرّس استراتيجية الضرب خلف خطوط العدو بعد عملية توقيف القيادي في «داعش» طارق الفليطي وقتل القيادي الآخر سامح سلطان المشهور بـ«سامح البريدي»، أثناء محاولة توقيفهما في آب ٢٠١٦.
وبالعودة إلى تفاصيل العملية النوعية التي نفّذها الجيش في الجرود أول من أمس، وبحسب مصادر أمنية، كانت استخبارات الجيش قد أوقفت مشتبهاً فيهما بالانتماء إلى تنظيم «داعش» قبل أيام في إحدى بلدات الشمال. قدّم الموقوفان خلال التحقيقات معلومات ثمينة عن تحركات قياديين في التنظيم المتشدد والمنازل التي يترددون إليها في بلدة عرسال، إضافة إلى اعترافهم بأسماء لبنانيين متورطين في نقل أسلحة ومساعدات لعناصر التنظيم المنتشر في الجرود. كان الموقوفان المذكوران رأس الخيط الذي تتبعته استخبارات الجيش، لتبدأ عملية رصد ومتابعة أوصلت إلى تحديد مكان أحد مفتي «الدولة» في الجرود العرسالية. كان ذلك السوري حسن صبحي المليص الملقب بـ»أبو محمد الشرعي»، والذي يشتهر بين أهالي عرسال باسم «حسن الشرعي». القيادي المذكور لم يتجاوز سن الثلاثين بعد، لكنّ اسمه كان كفيلاً ببثّ الرعب في صفوف سكان عرسال، لا سيما أن اسمه ارتبط بأحكام إعدام نفذها عناصر التنظيم المتشدد داخل البلدة اللبنانية، وتحديداً عملية اغتيال المؤهل زاهر عز الدين في مكمن في وادي الحصن قرب عرسال مطلع 2016، بعد اتهامه من قبل التنظيم بمساهمته في القبض على قائد لواء فجر الإسلام أبو محمد جمعة، الذي بايع الدولة الإسلامية، وتسبّب في احتلال عناصر التنظيم لعرسال.
عند تحديد الساعة الصفر، انقضّ عناصر فوج المكافحة على مكان اختباء «حسن الشرعي»، إلا أنّ الأخير بادر إلى إطلاق النار، ليندلع اشتباك أدى إلى إصابته إصابة قاتلة. وقد تمكنت القوة المهاجمة من توقيف عشرة أشخاص (ستة سوريين وأربعة لبنانيين) يتبعون للشرعي المذكور. وعقب العملية، دهمت قوة من الجيش اللبناني منزل وائل ديب الفليطي في منطقة وادي الحصن في عرسال، واعتقلته مع شقيقه حسين، والمطلوب أمين محمد حميد. وذكر بيان الجيش أن الموقوفين متورطان في تهريب أسلحة ودعم للجماعات الإرهابية.