فُخّخت موازنة 2017 بمادتين عن صندوق الضمان الاجتماعي ستكون لهما مفاعيل سلبية على تدفقاته المالية. اكتشاف وجود هاتين المادتين جاء بعد إحالة مشروع الموازنة إلى مجلس النواب، وكان أمراً مفاجئاً لمسؤولي الضمان وللنقابات العمالية الذين بدأوا تحرّكاً اعتراضياً، بالتزامن مع عقد لجنة المال والموازنة أول جلسة لنقاش الموازنة
يمرّ مشروع موازنة 2017 بامتحان «خاص» في الشارع، تزامناً مع بدء درسه في لجنة المال والموازنة صباح اليوم. جلسة اللجنة النيابية مخصصة للنقاش العام في المشروع، فيما لدى نقابة مستخدمي الضمان جدول يتضمن إضراباً عن العمل واعتصاماً في ساحة رياض الصلح، بمشاركة اتحادات ونقابات عمالية عدّة، احتجاجاً على إدراج المادتين 54 و68 ضمن الموازنة بسبب تداعياتهما الخطيرة على التدفقات المالية للصندوق.
إلى جانب من سيقف النواب ابتداءً من اليوم؟ إلى جانب العمّال أم أصحاب العمل؟ الوقوف في الوسط يوازي الوقوع في ارتكاب «إثم» الوقوف إلى جانب أصحاب العمل، لأن ما هو على المحكّ اليوم يمسّ التدفقات المالية في صندوق الضمان وتقديماته التي يستفيد منها أكثر من 1.4 مليون شخص في لبنان.
القصّة بدأت بعملية «دسّ» لإمرار تعديلات على قانون الضمان تحوّله إلى صندوق على طريق الإفلاس. فالمادة 54 تلغي موجب استحصال أصحاب العمل على براءة ذمّة لإثبات تسديد متوجباتهم للضمان، وهي الأداة الوحيدة التي يستعملها الصندوق لضمان التزام أصحاب العمل بتسديد الاشتراكات، والمادة 68 تتضمن فقرة تلغي الفوائد المترتبة للصندوق عن تقسيط المبالغ المتوجبة على الدولة اللبنانية تجاه الضمان، وتتضمن فقرة ثانية تمنع فتح صناديق الضمان إلا بقرار مجلس الوزراء، أي ببساطة تتيح للسلطة السياسية إخضاع الصندوق لسيطرتها الكليّة بعد خنقه مالياً على مدى السنوات الـ 16 الماضية.
لن يفلس الصندوق، اليوم، بسبب هذه التعديلات، إلا أنه سيكون عرضة للإفلاس في السنوات المقبلة، تماماً كما حصل عندما قرّرت السلطة السياسية خفض الاشتراكات بنسبة 50% في عام 2001 بحجّة أن الصندوق فيه فائض من الأموال وأن أصحاب العمل يمرّون بضائقة مالية ويتوجب مساعدتهم، إلا أن السنوات اللاحقة كشفت عن تراكم العجز إلى يومنا هذا حتى بلغ مليار دولار، أي ما يوازي 81% من مجموع تقديمات الصندوق، من دون أن تتحرّك السلطة السياسية لتعيد مستوى الاشتراكات إلى مستوى يغطّي كلفة التقديمات في الصندوق.
في ظل هذا الواقع، تم إدراج المادة 54 ضمن مشروع الموازنة أثناء مناقشات مجلس الوزراء لمشروع الموازنة بشكل عرضي، علماً بأن المادة 86 كانت مدرجة في غالبية مشاريع قوانين الموازنة وكانت على مرأى من الجميع من دون أي اعتراض عليها.
هذه كانت المفاجأة الأولى، أما المفاجأة الثانية التي حسمت الشكوك بارتباط أصحاب العمل بعملية «دسّ» المادة 54 ضمن مشروع الموازنة بالاتفاق مع بعض السياسيين، أن ممثلي أصحاب العمل في مجلس إدارة الصندوق قدّموا اقتراحاً لضرب نظام براءات الذمة من خلال تحويل مطلب خاص بمستشفى الجامعة الأميركية إلى اقتراح الموافقة على منح براءات الذمّة قبل التدقيق في أرصدة الديون المتوجبة عليها عن فترات سابقة.
في الواقع، نجح ممثلو العمّال في إمرار جزئي لهذا الاقتراح، إذ إن هيئة مكتب الضمان «أخذت علماً» بالتدبير المتخذ والقاضي باعتبار الأرصدة والسندات غير الموجودة في محفظة السندات العائدة لفترات سابقة لما قبل عام 2007 والواردة في كشوفات حساب المؤسسات لن تحول دون إعطاء إفادة براءة ذمة محصورة إلى المؤسسات التي سبق أن حصلت على براءات ذمة محصورة أو شاملة، إلى حين الانتهاء من عملية التدقيق في هذه الأرصدة».
في هذا السياق، كانت نقابة مستخدمي الضمان قد دعت إلى تنفيذ إضراب عن العمل واعتصام في ساحة رياض الصلح، تزامناً مع انعقاد جلسة للجنة المال والموازنة، ودفاعاً عن الضمان الاجتماعي وحمايته من الأيدي الطامعة في أموال المضمونين وتعويضاتهم».
على أي حال، يقول مصدر نيابي إن جلسة لجنة المال والموازنة ستكون جلسة نقاش عام لن تتطرق إلى النقاش التفصيلي للمواد القانونية الواردة في المشروع، رغم أن بعض النواب قد يثيرون هذه المسألة إلى جانب مواضيع أخرى متصلة بالمالية العامة والضرائب وسواها. وقد سبقت هذه الجلسة اتصالات؛ أبرزها بين المدير العام للضمان محمد كركي ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان. وتبلّغ كركي من كنعان أنه فور تقدّم النقاش في الموازنة نحو المواد المتعلقة بالضمان، سيدعى كركي والمعنيون إلى حضور هذه الجلسة.
أهمية هذا الموضوع تستند إلى كون المادة 54 لم ترد في مشاريع الموازنات السابقة، بل كانت مجرّد فكرة حاولت وزارة المال أكثر من مرّة إمرارها إرضاءً لمطالب الهيئات الاقتصادية وأصحاب العمل الذين وضعوا ثقلهم لإلغاء هذا الموجب الذي يفرض عليهم تسديد اشتراكاتهم والتصريح للصندوق عن أجرائهم. هذا الإجراء القهري، أي موجب الاستحصال على براءة ذمّة من الضمان الاجتماعي لإثبات تسديد الاشتراكات، كان قد أقرّ في عام 1983 من أجل وقف تمادي أصحاب العمل في التهرّب من تسديد المتوجبات للضمان الاجتماعي ومن أجل إجبارهم على التصريح للصندوق، وبالتالي فإن إبطاله اليوم هو بمثابة إجراء قهري بحق صندوق الضمان.