في السابع عشر من الشهر الجاري، وكما في كل عام، مرت ذكرى يوم الأسير الفلسطيني واحتفت الشعوب العربية والفلسطينية ببطولات الأسرى وما انجزت الحركة الأسيرة منذ عقود. ولكن هذه السنة لم تكن كما سبق، إذ قررت الحركة الأسيرة أن تبدأ إضراباً مفتوحاً إلى حين تنفيذ مطالب الأسرى من إدارة السجون الصهيونية.
بدأ الإضراب بعدما سلّمت الحركة الأسيرة لائحة بالمطالب المحقة لإدارة السجون، كان أهمها إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والعزل الإفرادي، والسماح للاسرى بتقديم الامتحانات والانضمام إلى الجامعة العبرية المفتوحة لإكمال الدراسة، كما احتوت اللائحة على بعض المطالب الحياتية لتحسين ظروف الأسرى في السجون، كالطبابة والعمليات الجراحية المستعجلة وما إلى ذلك. كما طالب الأسرى بزيادة مدة الزيارة لذويهم، ورؤية احفادهم واقربائهم الذين هم تحت سن السادسة عشرة.
يشارك في الإضراب أسرى من كل الفصائل الفلسطينية، على رأسهم الأسير القائد مروان البرغوثي، والأسير القائد كميل ابو حنيش، والأسير القائد احمد سعدات وغيرهم، ويصل عدد المشاركين إلى ١٥٠٠ أسير من كل المحافظات، وفي كل السجون.
في اليوم التالي من الإضراب بدأت إدارة السجون بعزل الأسرى المشاركين، كما ابلغت الصليب الأحمر بإلغاء كل الزيارات للذين أعلنوا إضرابهم، واقتحمت مجموعات من قوات الإحتلال الزنازين وانهالت على الأسرى المضربين عن الطعام بالضرب، وكان آخر اقتحام للسجون يوم امس. ولكن رغم كل المحاولات من إدارة السجون لم يتراجع الأسرى عن خيارهم ولا عن مطالبهم المحقة، بل بدأ عدد أكبر بالانضمام إلى الإضراب لمساندة رفاقهم.
يلجأ عادةً الأسرى إلى مثل هذه الإضرابات حين تنفد كل الخطوات مع الاحتلال، وتفشل المفاوضات بين اللجان ومصلحة السجون، إذ يعتبر الأسرى أن هذه هي الوسيلة الأخيرة والأكثر فعالية على إدارة السجون، ويكون هذا الخيار دائماً هو الخيار الأخير والوسيلة االمتبقية لتحقيق مطالبهم، وليس هدفهم الامتناع عن الطعام فقط لأجل الامتناع عن الطعام. كما ان هذا الخيار يرعب الحكومة الصهيونية ويظهر وجهها القبيح تجاه الرأي العام الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان ولجان الأسرى.
عام ١٩٦٨ كانت التجربة الأولى في سجن نابلس، حين أضرب الأسرى عن الطعام لمدة ثلاثة أيام احتجاجاً على التعذيب من قبل الجنود الصهاينة، وللمطالبة بتحسين معيشتهم. بعد نجاح التجربة، توالت الإضرابات، وكان ابرزها:
عام ١٩٦٩ قامت الحركة الأسيرة بإضرابين في نفس الوقت لأسباب نوعاً ما مختلفة، الأول كان في سجن الرملة وكانت المطالب إدخال القرطاسية للأسرى، وإسقاط مناداة السجان بـ”حاضر سيدي” والسماح لأكثر من أسيرين بالتجمع في الساحة وزيادة وقت الفورة. دام الإضراب احد عشر يوماً وانتهى بقمع الأسرى وعزلهم وتعذيبهم، ولم تنفذ مطالبهم.
أما الإضراب الثاني فكان في معتقل كفار يونا واستمر ثمانية أيام، وكانت المطالب إسقاط “كلمة سيدي” ووقف سياسة الاستعباد التي يمارسها الاحتلال على الأسرى كما طالبوا بالقرطاسية لكتابة رسائل لذويهم وتغيير الفرش الرقيق. قبلت إدارة السجون بإدخال القليل من القرطاسية وإسقاط كلمة “سيدي”، ونجح الإضراب.
عام ١٩٧٠ قامت الأسيرات الفلسطينيات بإضراب استمر تسعة أيام في معتقل نفي ترستا، كانت عواقبه وخيمة على الأسيرات إذ تعرضن للضرب والتعذيب والعزل من قبل إدارة السجون. ولم تستجب إدارة السجون إلا للقليل من المطالب.
كانت إدارة السجون دائماً تحاول فك الإضراب بقول نعم للمطالب وبعد فك الإضراب ينتهي الملف وتُنسى المطالب، كما حصل عام ١٩٧٠ في معتقل عسقلان عندما طالب الأسرى بإدخال القرطاسية وزيادة وقت الفورة، وافقت إدارة السجون بعد سبعة أيام من الإضراب، وبعدما علّق الإضراب، انتهى الأمر بالنسبة للسجّان ولم يتم تنفيذ اي شيء مما تعهدوا للأسرى به.
بعدما بدأت إدارة السجون بالتنصل من الوعود، بدأ وعي الحركة الأسيرة يزداد، وفي عام ١٩٧٩ بدأ الأسرى في إضراب استمر ٤٥ يوماً، في معتقل عسقلان وكانت مطالب الأسرى تحسين الحياة داخل السجون والسماح لهم بمراسلة ذويهم وتحسين نوعية الطعام، فرضخت إدارة السجون وتم تنفيذ بعض المطالب، مع التنصل من البعض الآخر. وبعد ثلاثة أشهر واصلت الحركة الاسيرة الإضراب لمدة ٢٠ يوماً، حتى تم تنفيذ كل مطالب الأسرى.
في شهر مايو من العام ١٩٨٠ قامت سلطات الاحتلال بافتتاح معتقل نفحا الصحراوي. كان السجن يتسع إلى مئة اسير تقريباً، وحاولت جاهدة أن تبعد الكادر التنظيمي للحركة الأسيرة عن السجن، فقام الأسير الشهيد سمير القنطار بتأسيس حركة أسيرة داخل السجن للدفاع عن حقوق الأسرى في سجن عسقلان وبئر السبع، وبدأ الإضراب في شهر يوليو اي بعد شهرين من افتتاح السجن، ودام ٣٣ يوماً. كانت المطالب لا تختلف عن إضراب الكرامة من ناحية الطبابة وتحسين المعيشة والتعليم والقرطاسية، ولكن إدارة السجون لم تتساهل مع الأسرى إذ تعرض بعضهم إلى العزل والتعذيب والترهيب، واستعملت سلطات الاحتلال لأول مرة التغذية القسرية، والتي استشهد على اثرها شهيدان هما الأسير علي الجعفري والاسير راسم حلاوي بعدما تم نقلهما وبعض من الأسرى المضربين إلى معتقل نيتسان في الـ٢١ من تموز. كانت هذه البداية الأسياسية للحركة الأسيرة، فبعد استشهاد الأسيرين حظي الإضراب بتأييد شعبي وإعلامي عربي كبير، وكانت بداية رسم خارطة الانتصارات لمعركة الأمعاء الخاوية.
مع بداية الانتفاضة الأولى قام حوالي ٣٠٠٠ أسير فلسطيني بالإضراب عن الطعام بعدما تسلّم دافيد ميمون إدارة السجون، وابطل العديد من الحقوق التي نالها الاسرى من الاحتلال وكان أهمها، إعادة تقليص وجبات الطعام، منع الأسرى من استقبال الملابس من ذويهم وتقليل وقت الفورة. استمر الإضراب مدة ٢٠ يوما ولكن لم ينجح، إذ وعدت إدارة السجون بإعادة كل شيء كما كان ولكن لم تفِ بوعودها.
عام ١٩٩١ عاد معتقل نفحا إلى الواجهة من جديد، وبعد الانتقادات الواسعة لمدير مصلحة السجون انذاك شاؤول ليفي - تم تبديله بـجابي عمير، وكانت الانتفاضة في أوجها، فرفضت حكومة الاحتلال والتي كان يرأسها شاؤول ليفي إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل حرب الخليج، وبقي الأسرى يعيشون “حالة طوارئ” داخل المعتقلات، فقررت الحركة الأسيرة إعلان الإضراب المفتوح والذي دام ١٦ يوماً، وانتهى بتدخل لجنة محامين لمتابعة ملف متابعة الأسرى، وبعدما وعد الاحتلال بتنفيذ كل المطالب. لكن لم ينفذ أيا من المطالب واعتبرت الحركة الأسيرة ان الإضراب قد فشل.
كان فشل إضراب نفحا الأخير سيئاً بالنسبة للحركة الأسيرة، ولكنها لم تهمد، إذ بدأ التخطيط لإضراب يشمل كل السجون، ورغم التضييق على الأسرى وتعذيبهم، تم الاتفاق بين الأسرى في السجون وبدأ الإضراب في سبتمبر ١٩٩٢ واستمر مدة ١٨ يوما في غالبية المعتقلات، و١٩ يوما في نفحا، ولاقى تفاعلا كبيرا في الشارع الفلسطيني، وكانت المرة الأولى التي لم تمنع فيها إدارة السجون الأسرى من مشاهدة التلفاز، مما زاد الأسرى تمسكاً بالإضراب بعد رؤية التفاعل الشعبي. انتهى الإضراب بنجاح وتم تنفيذ كل مطالب الأسرى واعتبر هذا الإضراب من انجح الإضرابات في تاريخ الحركة الأسيرة.
لم يكن هذا آخر الإضرابات والانتصارات على إدارة السجون، بل شهدت الحركة الأسيرة عدة إضرابات كان آخرها إضراب عام ٢٠١٤ والذي كان تكملة للإضراب الذي بدأه الأسرى عام ٢٠١٢ وقد استمر ٢٨ يوماً، وكانت ابرز مطالب الحركة إلغاء الاعتقال الإداري واستمر ٦٦ يوماً، ، ولم ينتهِ إلا بعد تنفيذ كل مطالب الأسرى.
واليوم يشارك في الإضراب اكثر من ١٥٠٠ أسير فلسطيني في معظم السجون الصهيونية. نقول لهم إننا معكم ونشد على أيديكم، وإننا بكل الوسائل المتاحة نحاول مساندتكم والوقوف بجانبكم في هذا المعركة المحقة، آملين من الإعلام الفلسطيني والعربي الالتفاف حول قضية الأسرى والإضاءة على أحوالهم ويومياتهم داخل سجون الاحتلال.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع