يبدو أن السحابة بين الرئيس سعد الحريري من جهة والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من جهة أخرى ستكون طويلة. «انقلاب الحريري» على تعهداته بالتراجع عن حضور جلسة التمديد مرده «خوفه من تهديد العونيين بتعليق جلسات الحكومة في حال حضوره جلسة 15 أيار»، بحسب مصادر عين التينة
لا يترُك الرئيس سعد الحريري «للصلح مطرح». عند أول مفترق طريق، نسي رئيس الحكومة موقف الرئيس نبيه برّي المساند له بالوقوف إلى جانبه «ظالماً كان أو مظلوماً». وكذلك مواقف النائب وليد جنبلاط التي تؤكد متانة العلاقة بينهما. في دقائق معدودة فرط رئيس تيار المستقبل عقد التحالف الثلاثي الذي جمعه بالرجلين، من خلال انقلابه عليهما في موضوع التمديد.
في الوقت الذي تعهّد به الحريري بحضور جلسة التمديد التي دعا إليها رئيس المجلس في منتصف الشهر المقبل، عاد وتراجع عن هذا التعهّد، رغم أنه كان من أشد المطالبين بتأجيل الانتخابات عاماً كاملاً على الأقل. يُضاف إلى ذلك أن خطر الفراغ الذي كان سيدفع به إلى التمديد كما قال لم ينتفِ، بل يزداد يوماً بعد يوم. فما الذي حصل؟
يدّعي الحريري أنه لا يريد أن يصطَدم برئيس الجمهورية ولا التيار الوطني ولا حركة أمل ولا حزب الله ولا النائب وليد جنبلاط. وبحسب معلومات «الأخبار»، ظهرت بوادر «الانقلاب» حين كلّف جنبلاط وفداً يرأسه النائب غازي العريضي زيارة الحريري الأسبوع الماضي. في اللقاء سمع الأخير كلاماً حازماً نُقل عن «البيك» بأن «لا أحد يفاوض على ظهرنا، ومن يرد التفاوض فوليد بك حاضر». حينها لمّح الحريري إلى أنه «لا يريد افتعال مشاكل مع المسيحيين، وفتحَ موضوع مجلس الشيوخ»، قبل أن يُسمعه الوفد كلاماً ليس على خاطره، وقال بما معناه: «منذ 28 عاماً لم نطرح هذا الموضوع ولم نطالب به. وهذا أمر له خصوصية عند الطائفة الدرزية وإذا كنتم مصرّين عليه وتريدونه فاعلموا أنه من حقّنا». وما إن أجاب الحريري بأنه لن يذهب إلى أي خطوة تستفز الفريق المسيحي في المجلس النيابي، حتى فهم الوفد الرسالة وأبلغ جنبلاط وبري بها، «فأدركا أن ثمّة لعبة جديدة تلوح في الأفق وأن الأدوار توزّع بدقّة». وحين قصد الحريري عين التينة أول من أمس، كان برّي يعلم أنه جاء ليرمي بطعم جديد، على قاعدة أن «تهديد الرئيس برّي بعدم حضور جلسة التمديد سيدفعه إلى الخضوع بالأمر الواقع والقبول بالقانون التأهيلي الذي يطرحه الوزير باسيل». لكن برّي لم يبلع الطعم، وأجاب بأنه «أصلاً هو ضد التمديد، وأن الجلسة المزمع عقدها ستكون للاتفاق على قانون انتخابي في الإطار العام، والقانون التأهيلي بالنسبة إليه صار في خبر كان، ولن يتراجع عن هذا الموقف». لكن المستغرب كان في الاستدارة السريعة للرئيس الحريري، وإذا ما كان هذا الموقف حقيقياً. فهل فسّر الرئيس برّي هذا التحوّل بأنه انقلاب ضده؟ لا جواب واضحاً حتى الآن سوى أن الأزمة ستكون كبيرة. بحسب مصادر عين التينة، فإن الحريري «ربما اعتبر أن اللجوء إلى ورقة الميثاقية هو الخيار الأوفر حظاً في وجه معارضي القانون التأهيلي»، ملمحة إلى أن «رئيس الحكومة خضع لتهديد التيار الوطني الحر له بشلّ الحكومة في حال حضوره جلسة التمديد لمجلس النواب».
لا أحد من أعضاء كتلة المستقبل لديه جواب شافٍ بشأن حقيقة مواقف الحريري هذه الأيام، والذي بات أسرع من النائب جنبلاط في تقلباته. لكنّ الحرصاء على تلميع صورته يحاولون تبريرها بأن «الرجل ربّما كان يريد دفن إرثه الثقيل، حيث ضاق ذرعاً باتهاماته بالحريرية السياسية، وبأنه جزء من المنظومة التي حكمت لبنان بعد الطائف»، وأنه «يريد بناء حريرية جديدة متوائمة مع العونية السياسية، تخرجه من صورة الساسة التقليديين كبري وجنبلاط»، وأن أولويته باتت «عدم الانخراط في محاور معينة، بل أن يكون هو بيضة القبان، في الاستحواذ على الدور التاريخي الذي لطالما لعبه جنبلاط»، وهذا ما يدفع به إلى «القبول بأي شيء». لكن المصادر المستقبلية، وللمفارقة، اعتبرت أن «لا مفر من التمديد في جلسة 15 أيار»!