هل اهتزّ الحلف الاستراتيجي بين حزب الله والتيار الوطني الحر بسبب نقاشات قانون الانتخاب؟ حتى أول من أمس، تركت قيادة التيار «الاهتزاز» يأخذ مداه في أوساط مناصريه، تماماً كما فعل قبل الانتخابات الرئاسية. وحينذاك، اضطر السيد حسن نصرالله إلى مخاطبة جمهور التيار لـ«تصويب الأمور». فهل يكرّرها غداً؟
بعد مرور 11 سنة على إعلان تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، سمح الأخير بإخضاع حارة حريك لاختبارَي فحص دم؛ الاختبار الأول كان خلال الانتخابات الرئاسية. يومها، استفادت قيادة الوزير جبران باسيل من محاولات دقّ الاسفين بينهما التي مارستها القوات اللبنانية وفريق 14 آذار، للإيحاء بأنّ حزب الله لا يريد انتخاب العماد ميشال عون.
لم يواجه التيار حملات شيطنة حليفه، وترك الحرية لشارعه حتى يُحمّل حزب الله مسؤولية ما هو براءٌ منه. وصل الأمر، في حينه، حدّ «اضطرار» الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى تخصيص جزء من خطابه في 23 تشرين الأول الماضي للتأكيد أنّ كتلة الوفاء للمقاومة ستقترع بكامل أعضائها لمصلحة عون، وأن نوابها مستعدون لأن يجلس بينهم نواب من تكتل التغيير والاصلاح حتى يتأكدوا من ذلك. تركت قيادة التيار الأمور تصل إلى هذا القدر من التشكيك. لكن، بعد انتخابات الرئاسة، عاد باسيل و«اعترف» بفضل حزب الله ــ في احتفال ساحة الشهداء بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية ــ إذ ساوى حينذاك بين موقف نصرالله و«صمود» عون.
الاختبار الثاني يتعلّق بالبحث عن قانون جديد للانتخابات النيابية. فالتيار يربط الاتفاق على مشروع القانون الذي يريده هو بقضية «الوجود» للطائفة المسيحية، ويتصرّف كما لو أنّ عدم القبول بطروحاته يعني التعرّض لأبناء هذه الجماعة. وحين يتبين للتيار العوني أنّ حزب الله لديه رؤية مختلفة، يُسارع إلى تنظيم جردة حساب: «سلّفنا حزب الله خلال حرب تموز وعليه أن يعيد الدين». للوهلة الأولى، يخال المرء أنّ هذه الجملة صادرة من أحد مقار أحزاب وقوى 14 آذار. فأقلّ الإيمان أن يقف لبناني مع مقاومته في وجه العدو. وهل هذا الموقف البديهي يحتمل تمنيناً؟ أو هل المقصود أنّ التيار «المسيحي» وقف مع «الشيعة» خلال الحرب، وعلى هؤلاء اليوم أن «يُسدّدوا الدَّين» لأنّ هذه المرة «المسيحي» في خطر؟ ترافق ذلك مع اشتداد عصب الشارع البرتقالي، وتأثّر، غالبيته، سلباً بخطابات بعض مسؤوليه ومسؤولي القوات اللبنانية. قيادة التيار تعرف جيداً كيف تستغل الأحداث من أجل إحراج القوى السياسية. صحيح أنّ السياسة ليست عملاً تطوعياً أو مجانياً، وأنّ التحالف بين فريقين لا يعني التبعية أو تطابق المواقف في كلّ المحطات (علماً بأنّ تحالف مار مخايل وُصف بـ«التكامل»)، ولكن، هل يُستخدم أسلوب الابتزاز مع حليف استراتيجي كحزب الله للحصول على توقيعه على مشاريع يُراد منها إقصاء حلفاء آخرين له؟
ملّف قانون الانتخابات «خضّة لم تشهد العلاقة بين حزب الله والتيار مثيلاً لها»، بحسب مطلعين على أجواء حارة حريك. يقول هؤلاء إنّ حزب الله يُقارب المسألة وفق ثلاث نقاط: «رؤيته بضرورة وجود أكبر قدر من الالتفاف الوطني حوله، التزامه بالتيار، ووجود مصلحة في هذا التحالف». المشكلة أنّ التيار «يريد احتكار حزب الله، في حين أنّ الأخير يُفكر في مصلحة كلّ حلفائه، والاطار الذي يُحقق ذلك هو القانون النسبي». يتعارض ذلك مع هدف التيار «تحسين وضع القوات اللبنانية أيضاً، التي هي رأس حربة في وجه حزب الله». للتيار الوطني الحر رؤيته في هذا الخصوص، فـ«ما يهمنا هو تصحيح التمثيل المسيحي. إن كان للقوات تمثيل فلتتفضل. حزب الله لديه اعتبارات سياسية، نحن لا نتوقف عندها لدى البحث عن قانون».
مصادر «8 آذار» تختار «الديبلوماسية» للحديث عن العلاقة بين حزب الله والتيار. «هناك مقاربات مختلفة. وما يحصل طبيعي وحيوي في جزء منه»، تقول. والتباين «لا يعني أنّ الوضع سيّئ بين الطرفين، لأنّ التحالف ليس آنياً». حتى قيادة التيار «لا تُقدّم صورة أنّ تحالفها مع الحزب ظرفيّ. ما يُقَدّم هو خطاب يحتمل تأويلات سياسية». انعكس ذلك على الجمهور العوني، «شدّ العصب مطلوب في السياسة، ولكنه أحياناً يأخذ منحى سلبياً». لا توافق المصادر على أنّ حزب الله يتعرض لفحص دم من العونيين، «فالاثنان يُدركان أنهما حليفان في كلّ المحطات. ولكن، أحياناً تكون الآمال مرتفعة والتوقعات مغايرة للواقع». اختلاف الرؤى، بحسب المصادر، «لا يهزّ القاعدة الصلبة. التجارب السابقة أثبتت أنّ الأسس متينة». وفي ملف القانون، المقاربتان تختلفان، «هدف التيار الحصول على أكبر كتلة نيابية، معتبراً أن ذلك يصبّ أيضاً في مصلحة حليفه، لذا سيحصل على دعمه، في حين أنّ حزب الله يرى الفرص مؤاتية لوضع قانون على مستوى وطني يؤسّس لبداية جديدة».
تسأل مصادر التيار الوطني الحر عن «ما هو الوطني؟ هل مجتمعنا جاهز لذلك؟ حزب الله يملك طابعاً طائفياً، ولا نعترض عليه، ولكن يجب أن لا يفاجأ حين يُنظم التيار نفسه وفقاً لطبيعة البلد». لا تُنكر المصادر وجود «تفسخات غير إرادية في العلاقة، ولكن ليس إلى حدّ الشرخ. فحزب الله حاول مواكبة التيار في طروحاته». إلا أنها تنفي تمنين حزب الله، «الكلام ممكن أن يكون رسائل سياسية فُسّرت خطأً في الاعلام». كذلك فإنّ التيار «لا يمارس الضغط على الحزب عبر الجمهور. هناك حملة مبرمجة على التيار، والشارع قد يتفاعل سلباً أو إيجاباً». تعي المصادر أنّ الرأي العام «لا يملك دائماً الوعي اللازم لتقدير تصرفاته. يجب أن يكون هناك حذر لاستلحاق الأمر».
محطات عدة مرّت بها العلاقة بين التيار وحزب الله، أكدّت في كلّ مرة أن لا غنى لأحدهما عن الآخر، «ولا أحد لديه النية للخلاف». هذا القرار لا يلغي الخوف من «أنه رغم كل المحاولات الناجحة لإدارة التباينات، وإن لم نصل إلى قانون جديد وأصبح التمديد واقعاً، تكون المشكلة قد تفاقمت مع حزب الله وكل القوى المشاركة في الجلسة. ستنعكس السلبية على العلاقة بين هذه القوى ورئيس الجمهورية. لذلك، الحلّ هو التوصل إلى اتفاق حول القانون».
أول من أمس، طرأ تطوّر على خطاب التيار الوطني الحر، إذ تحدّث باسيل في مناسبة حزبية قائلاً إنّ «تفاهمنا وحزب الله هو قاعدة ثابتة بسياستنا لا يُبدّلها عنوان أو صحيفة أو حلم أو وهم. إنه تفاهم لا يهدف إلى حمايتنا نحن وحزب الله، ولكن، وبكل قناعة، لكي نحمي لبنان وكل اللبنانيين، وهذا ثابت لا يتزحزح». هذا الخطاب لم يعد إليه باسيل إلا بعد ما حُكي عن موافقة حزب الله على مشروع قانون الانتخاب المبني على «التأهيل الطائفي» الذي تبنّاه رئيس التيار الوطني الحر. في تشرين الأول الماضي، أعاد نصرالله توجيه بوصلة العلاقة بينه وبين الجمهور العوني، فهل سيجد نفسه مضطراً إلى فعلها مرة جديدة في خطابه غداً؟