هي لعنة الإهتزاز التي تفتك بركاب وقلوب الجنود الصهاينة الذين يقع عليهم اختيار الخدمة في مرتفعات  كفرشوبا و مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، فالمنطقة من أكثر النقاط الحدودية القاسية من الناحية الجغرافية والمناخية والعسكرية ، لأنها تحوي أوديةً ومنحدراتٍ وتلالا شاهقة وصخورا وشياراتٍ ومساحاتٍ حرجية ، ويغطّيها الضباب في الكثير من أيام السنة ، فضلاً عن وجود شبكة مواقع عسكرية محصنة تربطها طرقات عسكرية معظمها يمرّ في الأحراج ، وجزء منها مكشوفٌ للجانب اللبناني .

إضافة الى إعتبار المنطقة أراضي لبنانية  محتلة  ما يجعلها ساحة مفتوحة  لهجمات محتملة لمجاهدي المقاومة الإسلامية  بأية لحظة ، خلافاً للنقاط الحدودية الأخرى المحاذية للأراضي الفلسطينية والسورية.
 كلّ هذه العوامل جعلت الجندي الصهيوني المنتشر في مزارع شبعا  يعيش حالة حرب دائمة يعتبر فيها نفسه الخاسر دائماً ، بسبب التجارب السابقة التي خاضها الجيش الاسرائيلي مع رجال  المقاومة في  مزارع شبعا  والتي كانت جميعها لصالح رجال المقاومة الإسلامية  الذين عندما يقرّرون مهاجمة موقع أو دورية او زرعِ عبوة ناسفة في اي مكان داخل العمق ( الآمن ) ، فهم ينجحون في ذلك غالباً ، وتكون ردةُ فعل الجيش الاسرائيلي متأخرةً  بعد لملمة مخلفات عملية  الإستهداف من اليات محترقة ، أو نقل إصابات من الأرض .

ولا شكّ أن مثلَ هذا الإنطباع سينعكس على القدرات النفسية  وروح المبادرة ، وهذا ما يحاول جيش الاحتلال تعويضه بزيادة جرعة المناورات ، والمبالغة بإستعراض القوّة في تسيير عراضات لدبابات الميركافا ، والمغالاة بالتمشيط بقذائف الميدان الثقيلة عند حصول اية شكوك بإمكانية حصول خرق ما في مكان ما من المزارع المحتلة ، إضافة الى استباق عمليات التبديل و التحركات الروتينية بحملة تمشيط بالرشاشات المتوسطة والثقيلة من المواقع المشرفة بإتجاه جوانب الطرقات التي ستسلكها الاليات ، يجري ذلك بموازاة التحليق المتواصل لطائرات التجسّس من دون طيار والمقاتلات المروحية  في بعض الأحيان حسب اهمية القافلة المتنقلة .
 ويشكل رعاة الماشية  الذين يسرَحون بقطعانهم الى مناطق محاذية لخطّ الإنسحاب في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا  مصدرَ قلقٍ كبير لحماة المواقع الإسرائيلية المنتشرة على خط المواجهة .

ويعتبر الصهاينة أن الرعاة ما هم الا أجهزة رصدٍ تعتمد عليهم المقاومة  مهما كان عمر الراعي صغيراً كان ام كبيراً ، لذا فإن خطّة نشر الكمائن  للرعاة تأتي من ضمن أولويات الجيش الصهيوني الذي كثّف من محاولاته لإعتقال الرعاة و إختطاف القطيع ولو تطلّب ذلك خرق خط الإنسحاب الأزرق  كما يحصل دائماً في منطقة السدانة وبركة النقار و بسطرة وجبل الشحل  وغالباً ما يفشل بسبب خِبرةِ الفرار التي إكتسبها الرُعاة بعد سلسلة المحاولات الإسرائيلية ، فينتقم الجنود بإحتجاز اعداد من الماعز  لإبتزاز الجانب اللبناني والمطالبة بإبعاد الرُعاة.

أما حلول الضباب  في ساعات الفجر والصباح على المرتفعات والهضاب التي يحتلها العدو ،  فله قصّة أخرى ، أولها كابوس تختالُ فيه اشباحُ المقاومين خلفَ الأشجار والصخور ، فيلاحقها حماة الدُشم والتحصينات من الجنود الصهاينة ، بوابلٍ من الرشقات الغزيرة ، في ظلّ تطبيقِ منعٍ كاملٍ للتجوّل في أنحاء المنطقة المحتلة ! ، ناهيكَ عن قضاءِ اوقاتٍ عصيبة في ظلّ تعطّل أجهزة التعقّب والرصد الحراري  وإنعدام الرؤية بأجهزة التصوير ،  فتقوم المدفعية بالتعويض بقصف كل الأحراج والمسارب ومحيط المواقع والطرقات العسكرية الى حين  انزياح هذا الكابوس ليحلّ كابوس الإنتظار ، لما قد تكون حملته سحابة الضباب من ضيوف ( ثقيلي ) الحضور !!
 هذا المشهد قد يتكرّر بشكل شبه يومي في اعالي الجبال المحتلة التي تشرف على قرى العرقوب  خصوصاً مع وجود مساحاتٍ من خط الإنسحاب الازرق  لا يوجد فيها سياج شائك او قواطع حديدية الأمر الذي يخلق ثغرات يسهل إختراق المنطقة المحتلة منها ، ويعود سببُ عدم إقامة سياج شائك من قبل العدو على غرار الحدود مع فلسطين المحتلة ، هو شعوره الضمني بأنه مُغادرٌ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا  عاجلاً أم آجلاً بإعتبارها منطقة لبنانية محتلة .
 وإلى حين حلول موعد إجلاء آخر جندي صهيوني عن أرضٍ يسعى أهلها لتطهيرها من رجس الإحتلال بكل الوسائل المتاحة ، سيكون الجندي الصهيوني الذي يدنس هذه الأرض هدفاً مشروعاً ، وسيبقى الرُعب والقلق والخوف يلاحقه حتى الأنفاس ..

إنتظروا  ملائكة الرضوان  مع كلّ هبة رياح .. ومع كلّ سحابة ضباب .. إنتظروهم حيث ترون أشباحهم خلفَ كلّ صخرة وشجرة .

المصدر: المنار - علي شعيب