ملح شحيح، وكاد الاسبوع الثالث ان يكتمل، والماء موجع مروره الى الامعاء الخاوية، لكنها الكرامة، تأبى التراجع عن سلاحها.. تسكن عيونهم وارواحهم وتمضي بهم الى انتصار حتميّ.. الدرب طويل.. ينهي الليلة يومه العشرين، شائك ومؤلم.. لكنهم يخوضونه بثبات.. بعزم وكرامة، ويدرون بأنهم ليسوا وحدهم. يعرفون كيف القلوب تتجه نحوهم وتتمنى لو تكون حجارة ترصف دربهم الى الشمس.. يشعرون كيف دقيقة تلو دقيقة تستحيل قلوب الاحرار صلاة تشد عزيمتهم.. هم يعرفون كيف فلسطين تلتف حولهم كذراعي امّ تحتار بين الخوف من غفوة لا صحو بعدها وبين الرغبة بشد الجسد الى قلب القلب لولا الخوف من احتكاك العظام.. كأم لا تدرف الدمع كي لا تخسر ملحه.. قد يحتاجونه.. 

هم لا يلتفتون الى ثوب الخزي الذي يلف صمت الانظمة العربية المتواطئة جهرا، ولا يوجعهم اصدار وثيقة من هنا او اسقاط شعار من هناك.. هم اكثرنا معرفة بأن كل اناء ينضح بما فيه، وانه لا يمكن لأواني التواطؤ ان تنضح بغير الخيانة..

ولكن، ليس من باب العتب طبعا، ولا من وجهة من خالف الواقع توقعاته، الا ان الخيانة تزيد مرارتها في الاوقات الصعبة.. تنظر الى خارطة العالم العربي وتذهب في الخيال نحو وحدة لو كانت لما كنا اليوم نواجه الف نار من الف فوهة ولا نملك الا ان نبقى واقفين.. تلقي، من خيالك الوردي هذا نظرة الى الواقع، المستعر وحطبه قلوبنا.. ترى البلاد، ترى السعودية ذراعا صهيونية اميريكية تمتد الى احرار اليمن والبحرين قتلا.. تعرف انها ذاهبة الى البتر بهمة المقاومين وتعرف ان الحق عائد لأنه كما النور لا يموت وتعرف ايضا ان سكوتهم ذاك هو السياق الطبيعي لمسارهم المتبجح بالعمالة، حدّ المزايدة على العدو المجرم، بالاجرام.. 

وتلمح مصر التي نسيت ان لها جنودا شهداء ما زالوا اسرى، وتراها تجثم على اقفال معبر رفح فتشارك السجان في جلد غزة، فيسقط من خيالك التساؤل لماذا تصمت مصر عن اضراب الكرامة كأن ليس بين فلسطين ومصر زرع واحد نبت من دم الشهداء في سيناء.. تمر على البلاد تلك اسما تلو اسم، وعند كل محطة تشاهد ما يسقط العتب.. تشعر وكأنك تجلد عروبتك فتشيح نظرك عن تلك الانظمة التي خذلت اول ما خذلت شعوبها، وتحدق في نقاط الضوء اللماعة مقاومة وعزا.. تتنفس الصعداء.. توجه قلبك نحو قبلة  الروح فلسطين، تخبر اسراها انهم ليسوا وحدهم ما دام هناك من يقاتل عدوهم وان بغير سلاح، وتخبرهم، وهم يعرفون، عن احرار يرفعون الصوت والارواح لقضية الحرية والكرامة، احرار يدركون انهم متضامنون مع انفسهم في تضامنهم مع كل اسير.. هؤلاء فقط، الضوء الذي في الخارطة.. النجوم التي تحفظ الامكنة من العتمة لحين عودة الشمس.

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع