تبادلت موسكو وواشنطن الكشف عن نتائج أولية للقاءات وزيرَي خارجيتهما سيرغي لافروف وريكس تيلرسون وتوّجت بلقاء جمعهما بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، والإعلان عن تحضير للقاء قمة يجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأعلنت وزارة الخارجية الروسية عن دور وساطة تتولاه بين واشنطن وطهران حول سورية واضعة شرطاً على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدخول أيّ قوة إلى الأراضي السورية بالتنسيق مع الحكومة السورية، فيما كان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يعلن وجود تفاهمات على توسيع مناطق التهدئة، وكانت مؤشرات أولوية حرب الرقة على داعش ترتفع مقابل انخفاض منسوب الحديث عن جبهة الحدود الأردنية، بينما الجيش السوري يقطع نصف المسافة عن الحدود العراقية ومعبر التنف بتقدّمه قرابة المئة كيلومتر في البادية السورية.
واشنطن أشارت من مصادر ثلاثة عن إيجابية مع موسكو، فالبيت الأبيض تحدّث عن نيات للتعاون في الحرب ضدّ داعش والبنتاغون أعلن دراسة وثيقة مناطق التهدئة وسبل تطبيقها، ووكالة المخابرات المركزية الأميركية أعلنت في تقييم للموقف الروسي أنه صار أكثر موثوقية من الماضي، بينما الخلاف التركي الأميركي يتصاعد حول تداعيات القرار الأميركي بتسليح وحدات حماية الشعب الكردية، وبدء القوات الأميركية بتنفيذه.
في هذا المناخ كان لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقع إقليمي وداخلي، بتأييده أيّ اتفاق توقع عليه الحكومة السورية، وإعلانه عن نهاية حرب الحدود الشرقية للبنان وإظهار اطمئنانه لجبهة الجنوب وغياب خطر نشوب حرب «إسرائيلية»، وثقته بقواعد الردع التي تقيمها المقاومة.
في الشق الداخلي استند السيد نصرالله إلى ترسيم المشهد الإقليمي ليضع ضوابط الخلاف الداخلي التي يشكل قانون الانتخاب النيابي محورها، بالدعوة لمواصلة الحوار وتخفيض سقوف التوتر واستنفاد المهل وصولاً لنهاية ولاية المجلس الحالي، داعياً لفتح دورة استثنائية ما لم يتمّ التوصل للتفاهم المنشود قبل نهاية الشهر الحالي وانتهاء الدورة العادية للمجلس النيابي.
نصرالله: معركة الجرود انتهت
بخطاب هادئ النبرة وذي أبعادٍ استراتيجية وسياسية وأمنية عالية المستوى وبالغ الدلالة والرسائل، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله جملة من المواقف إزاء التطورات المحلية والإقليمية.
على صعيد الوضع العسكري على الحدود الشرقية مع سورية، ردّ السيد نصرالله على حملة الادعاءات الذي يبثها إعلام الخليج وأتباعه في لبنان، بأن حزب الله يسعى الى التغيير الديموغرافي سورية، بأننا «نستعجل عودة أهل الطفيل الى بلدتهم وكل المنطقة الحدودية السورية لا يزال أهلها فيها»، وفي ردّ غير مباشر على مزايدة وزير الداخلية نهاد المشنوق في هذه القضية.
وأعلن السيد نصر الله خلال الاحتفال بالذكرى السنوية للشهيد مصطفى بدر الدين أن «الحدود الشرقية مع سورية أصبحت آمنة بدرجة كبيرة ولم يعُد من داعٍ لوجودنا بعد أن باتت آمنة وفككنا قواعدنا هناك»، ما يعني أن حزب الله أعفى نفسه من المهمة في تلك المنطقة ووضع المسؤولية في عهدة الدولة. وفاجأ سيد المقاومة القريب قبل البعيد وكل مَن راهن على بقاء الحزب الى أبد الآبدين في المنطقة الحدودية، بل إنه لن يخوض معركة في منطقة تشكل حساسية طائفية ومذهبية، وهي في الأساس مسؤولية الدولة، لكنه سيحتفظ ببعض المواقع العسكرية من الجهة السورية للحدود لتأمين خطوط الدفاع عن الجهة اللبنانية، ومرّر السيد نصرالله رسالة الى المسلحين، بأن معركتهم في هذه المنطقة باتت بلا أفق وجدوى، لكنه أعلن الجهوزية للتفاوض على الأماكن التي سيذهب إليها المسلحون وعائلاتهم لإقفال هذا الملف.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن «السيد نصرالله أعلن نهاية معركة الجرود من الجهة اللبنانية وبالتالي سقوط «إمارة عرسال» الموعودة، ودعا القوى السياسية في المنطقة التي تربطها علاقة مع المسلحين إلى التواصل معهم لإقناعهم بالتسوية وبأنه يتكفل مع الدولة السورية عودتهم مع عائلاتهم الى مناطق سيطرة المسلحين في سورية، ما تُعدّ خطوة نوعية لتخفيف الضغط الاجتماعي والعسكري عن عرسال التي تتآكل قدراتها الاقتصادية وتذوب هويتها وهوية أبنائها، كما تشكل معالجة جذرية لمخيمات النزوح خارج حدود سيطرة الجيش اللبناني التي تعتبر منطقة حاضنة للإرهاب».
وأشارت المصادر الى أن «المعركة السورية ببعدها اللبناني انتهت بعد تحرير منطقة الزبداني وتأمين دمشق واتفاق المدن الأربع والهزائم التي مُني بها تنظيم داعش، ما شدّد الخناق والتضييق على المسلحين في جرود عرسال وضيّق هامش المناورة أمام داعش والنصرة اللذين يسيطران على مساحة 350 كلم من الجغرافيا اللبنانية».
وتوقعت المصادر أن «يتجاوب المسلحون مع إنذار السيد نصرالله الأخير في ظل الواقع الميداني واللوجستي الصعب الذي يعانون منه، حيث لا إمكانية لهم في البقاء لوقتٍ طويل»، لكنها أوضحت أنه «لا يبدو أن القرار السياسي في الداخل يتجه نحو شنّ حملة عسكرية في الجرود لتطهيرها من المسلحين، لأن أي قرار بهذا الشأن، يتطلّب تنسيقاً مع الدولة السورية على المستوى الأمني بالحد الأدنى. الأمر الذي يرفضه حتى الآن رئيس الحكومة وفريقه السياسي وراعيه الإقليمي».
وبالتزامن مع ذلك، تفقد رئيس الأركان اللواء الركن حاتم ملاك، قاعدتي حامات والقليعات الجويتين، وجال في أقسامهما، واطلع على نشاطاتهما التدريبية والأعمال الجارية لتطوير الإنشاءات واستكمال تجهيز المدارج للطائرات المرتقَب تسلّمها قريباً.
وأكد ملاك عزم القيادة على تطوير سلاح الجو واستقدام المزيد من الطوافات والطائرات القتالية والاستطلاعية»، مشدّداً على «الدور الأساس لهذا السلاح في مواصلة الحرب على الإرهاب عند الحدود الشرقية، والإنجازات النوعية التي حققها خلال المعارك السابقة».
وعلى صعيد الوضع الميداني السوري، لم يبدِ الامين العام لحزب أي أهمية للحشود العسكرية على الحدود الأردنية السورية. وهناك احتمالان يفسّران ذلك: التقليل من الأهمية العسكرية لهذه الحشود في تغيير موازين القوى الميدانية في سورية وإما ارتأى تأجيل الحديث في هذا المعطى المستجد لاستكمال البحث وتجميع المعطيات ليبني عليها موقفاً حاسماً وهاماً في الخطاب المقبل في عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار.
كما وردّ قائد المقاومة على الحرب الإعلامية التي تحدثت عن صفقة أميركية – روسية تقضي بطلب روسيا من حزب الله سحب قواته من سورية للإيحاء بأن الحزب هو المشكلة. كما أسقط رهانات البعض على انسحابه علّه يجد فيها فرصة لتغيير الواقع الميداني في سورية، حيث إن قرار وجود الحزب في جبهات القتال السورية، مرتبط بقرار القيادة في دمشق وللتأكيد على ذلك، كشف بأن المحور المتحالف مع سورية في إشارة الى روسيا تحديداً، بأنه طلب من حزب الله الوجود في جبهات إضافية، لكن حزب الله يوجد حيث يجب أن يكون.
أما في ما يتعلق بقانون الانتخاب، أشار السيد نصر الله الى ثلاثة محددات ومرتكزات كأساس في مقاربة قانون الانتخاب. وهي استمرار الحوار بين القوى السياسية وتخفيف الخطاب المتشنج ورسالة الى كل من رئيسي الجمهورية والحكومة لتوسيع هامش المهل الدستورية وتمديد فرصة التوافق من خلال توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي في حال لم يتم التوصل الى اتفاق قبل 31 الحالي».
ورجحت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» الاتفاق على مشروع القانون الذي أعدّه الوزير السابق مروان شربل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع رفع عدد الدوائر من 13 الى 15 واعتماد تقسيمات انتخابية ترضي الاطراف كافة، لكنها لفتت الى أن «الخلاف لا يزال على الصوت التفضيلي».
وشددت المصادر على أن «الأمور معلقة على تنازل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن شروطه إزاء مشروع التأهيلي والصوت التفضيلي». كما عوّلت المصادر على «دور الرئيس ميشال عون في توجيه البوصلة وحسم الأمور في تبني مشروعه الاساسي النسبية الكاملة». ولفتت الى أن «الوضع الاقليمي لا يسمح بأي عبث بالاستقرار الداخلي، لأن ذلك سيأخذ الجميع الى مؤتمر تأسيسي ستكون كلفته عالية على الرئيسين عون والحريري».
غير أن التيار الوطني الحر يقترب من تبني النسبية الكاملة، لكنه يتحدث عن ضوابط بحسب مصادره «للاستفادة من معايير صحّة التمثيل، من خلال أشخاص لديهم حيثيّتهم في طوائفهم»، ما يفتح الباب أمام إيجاد مشروع قانون يحقق شروط التيار ويشكل بديلاً عن التأهيلي، لا سيما بعد أن أعلن مستشارا رئيس الحكومة نادر الحريري وغطاس خوري عن تبني المستقبل للنسبية الكاملة.
وفي سياق ذلك، استمرت اللقاءات الثنائية والثلاثية الانتخابية، وأمس عقد لقاء جمع الوزير باسيل والنائب ابراهيم كنعان ونائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية النائب جورج عدوان الذي زار كليمنصو والسراي الحكومي والتقى كلاً من الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط.
خرق «إسرائيلي» لشبكة الاتصالات
وخلال خطاب السيد نصرالله، رصد خرق لشبكة الاتصالات اللبنانية من خلال الاتصال بالعديد من المواطنين اللبنانيين وإرسال رسائل هاتفية ظاهرها أنها من الخطوط الهاتفية الثابتة للعلاقات الإعلامية في حزب الله، تحمل إساءة للمقاومة وقائدها، بحسب بيان للعلاقات الإعلامية للحزب، التي أكدت أنها «تتابع هذا الموضوع مع المعنيين في وزارة الاتصالات اللبنانية وفي هيئة أوجيرو لكشف المتلاعبين والأساليب التي استخدموها لتحقيق هذا الخرق».
ورجّح خبراء في الاتصالات لـ«البناء» أن يكون مصدر الخرق، العدو «الإسرائيلي» من خلال التعدّي على شبكة الاتصالات اللبنانية وقرصنة خطوط واستعمالها وإرسال رسائل ومكالمات منها»، وأوضحت أنها ليست المرة الاولى التي يدخل العدو على الشبكة ويستعمل خطوطاً موازية للخطوط الحقيقية بهدف التشويش والتهديد وإرسال رسائل ذات طابع أمني أو سياسي، للتأثير على جمهور وبيئة المقاومة والمواطنين اللبنانيين بشكلٍ عام. ودعت المصادر الى التحقيق والتدقيق في سجلات الاتصالات في أوجيرو ووزارة الاتصالات، مذكرة باكتشاف عملاء عديدين في الوزارة يتبوأون مناصب هامة وحساسة، وكان لهم دور بارز في تسهيل عملية التجسس «الإسرائيلي» وتنفيذ عمليات اغتيال».
عون على خط الاشتباك الكهربائي
على صعيد آخر، استكملت لجنة المال والموازنة درس مشروع الموازنة العامة وأقرّت، بحسب ما أعلن رئيسها النائب كنعان «الفصل الثاني من الموازنة».
وحضر ملف الكهرباء في اجتماع اللجنة وذكر كنعان في رد على حزب القوات، «بأن خطة الكهرباء مقرّة منذ العام 2010 وتأخّر تنفيذها سابقاً بفعل التجاذب السياسي»، بينما أشار وزير الطاقة سيزار ابي خليل الى أننا «بدّدنا الكثير من الشكوك والتضليل الذي يتم تداوله في الإعلام أمام النواب اليوم، لن يتم تأمين الكهرباء خلال الصيف، إلا عبر خطة إنقاذية تتضمن معامل جاهزة لا تتطلب وقتاً للبناء اي المعامل العائمة، والشق التقني من ناحية الكلفة والخيارات وإمكانية التنفيذ لا تزال الأوفر».
ودخل رئيس الجمهورية على خط الاشتباك «العوني» – «القواتي» الكهربائي، وقال أمام وفد المجلس العام الماروني أمس: «مَن لديه أي شيء يدل الى فساد محدّد سواء كان من رجال الادارة او السلطة فليقدم الادلة وإلا فليتوقف عن تضليل الرأي العام»، داعياً جميع المسؤولين والسياسيين الى «دعم الخطوات الاصلاحية وعدم وضع العراقيل امامها»، ومؤكداً «تصميمه على الاستمرار في مكافحة الفساد ووقف الارتكابات والصفقات المشبوهة للمحافظة على المال العام ومصالح المواطنين، وأنه لن تثنيه عن هذا الخيار اي محاولات او ضغوط تمارس لعرقلة مسيرة الإصلاح التي بدأها العهد».