لم تُجدِ نفعاً الدعوات والنداءات التي وجهها تيار المستقبل في طرابلس إلى مناصريه لاستقبال الرئيس سعد الحريري، قبل ظهر الخميس، عند الجسر الجديد الذي يُشيّد عند مدخل مدينة الميناء ويربط بين طرابلس والبداوي.
بين زيارة لزعيم تيار المستقبل وأخرى، لطرابلس، يتكشف تراجع الحشود الشعبية المستقبِلة. بضع مئات فقط كانوا أول من أمس في استقبال رئيس الحكومة، نصفهم تقريباً من عناصر الأمن ومرافقي النواب والشخصيات المنضوين بأغلبهم تحت راية التيار الأزرق.

أما الحشود الشعبية فغابت كلياً، ما يشير إلى أن عودة الحريري إلى السلطة لم يعد معها بعد التأييد الشعبي المرتجى. وأظهرت مقارنة الحضور الشعبي الضعيف في استقبال الحريري مع الحشد الغفير الذي استقبل نائب رئيس الوزراء السابق عصام فارس في بلدته بينو (عكار) أن السلطة ليست عاملاً فعّالاً في استعادة الشعبية أو الحفاظ عليها.
الزيارة «غير الناجحة شعبياً» جعلت الحريري يبدي امتعاضه بحسب ما أوضحت لـ«الأخبار» مصادر في تيار المستقبل. ولفتت إلى أن رئيس الحكومة «كان يُعوّل على وجوده في السلطة لإعادة التقاط شارعه في طرابلس مجدداً. لكن يبدو أن الأمور تحتاج إلى جهد أكبر، وإعادة قراءة توجّهات هذا الشارع».
وفيما علّل بعض المستقبليين ضعف الاستقبال الشعبي بأن «الزيارة كانت مفاجئة، ولم نتبلغ بها إلا قبل 24 ساعة من موعدها»، أكدت معلومات حصلت عليها «الأخبار» أن الحريري «أبلغ المعنيين والمقربين منه بأمر الزيارة قبل أكثر من أسبوع، وزار أحد مستشاريه المقربين عاصمة الشمال قبل أسبوع تحديداً، وعقد اجتماعات مع مسؤولين مستقبليين وآخرين في مؤسسات رسمية، تحضيراً للزيارة. وأراد الحريري من خلالها أن تشكل نقلة لشعبيته المتراجعة في المدينة، افتراضاً منه أن زيارته لها وهو في موقع رئاسة الحكومة أفضل، لكون ذلك يتيح له تدشين مشاريع وتفقّد أخرى».
لكن يبدو أن الزيارة ارتدّت سلباً. فعدا عن أنه لم يدشّن أياً من المشاريع التي تنفذ في طرابلس، فإن أيّاً من الوزراء المعنيين لم يرافقه، باستثناء وزير الثقافة، بينما غاب وزراء الأشغال والتربية والزراعة والاقتصاد، ما أعطى انطباعاً بأن الزيارة استعراضية وليست جدّية، تحديداً بعدما أُغلق الجسر الذي أشيع أن الحريري قادم ليفتتحه، بعد ساعة من مغادرته المدينة، بحجة أن الأشغال فيه لن تنجز قبل نهاية العام الجاري!
ولم تقتصر مفارقة زيارة الحريري التفقدية لمشاريع طرابلس عند هذا الحدّ. فأغلب المشاريع أطلقت ووُضعت الأحجار الأساس لها في عهد سواه، ولم يسجل له في أغلب زياراته للمدينة وضعه الحجر الأساس لأي مشروع أو تدشينه له. فجسر الميناء ــــ البداوي وضع الحجر الأساس له الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008، وسوق الخضار وضع الحجر الأساس له الرئيس عمر كرامي عام 2004، والمبنى الجديد للجامعة اللبنانية وضع الحجر الأساس له الرئيس إميل لحود عام 2004، وهي جميعها مشاريع لم تنجز بعد.
ومع أن الحريري لم يكن مقرراً له أن يتفقد مشاريع تنفذ في مناطق شعبية لأسباب أمنية، فإنه تفقد مشروع إعادة تأهيل واجهات المباني المتضرّرة جرّاء الاشتباكات التي حصلت في مناطق البقار وبعل محسن والمنكوبين، وسط غياب تام لأي حضور شعبي، وهي للمفارقة المناطق التي شهدت أغلب جولات العنف التي بدأت بعد خروج الحريري من السرايا الحكومية عام 2011، ولم تتوقف إلا بعد خروج الرئيس نجيب ميقاتي من السرايا ودخول الرئيس تمام سلام إليها عام 2014.
عودة الحريري خائباً من زيارته الطرابلسية، رأت فيها مصادر سياسية «تأكيداً لضمور الحالة الحريرية في المدينة، وتراجع شعبيتها، ودليلاً على أزمتها الداخلية»، مشيرة إلى أن «المستفيد الأكبر من تدني شعبية الحريري، وهو ما تثبته استطلاعات رأي تجري في المدينة، هما الوزير السابق أشرف ريفي الذي ينتقل جمهور الحريري إليه، والرئيس نجيب ميقاتي الذي يستميل كثيرين من هذا الجمهور».

المصدر: عبد الكافي الصمد - الأخبار