الدولة اللبنانية عاجزة عن كلّ شيء، حتى عن الانتهاء من ملف أساسي للعهد الرئاسي وهو التشكيلات الدبلوماسية. وزارة الخارجية لم تُفعّل عملها إلا أخيراً، ومن المفترض أن يُختم الملف قبل شهر تموز
ليس لبنان بمنأى عن البركان الذي يُهدّد العالم العربي. البلد الصغير موجود في قلب العاصفة. تتربص به عقوبات أميركية، وعدو صهيوني، وخطر إرهابي. تواصله مع دول العالم أساسي في هذه المرحلة. فعادةً ما تعمل الحكومات على تعزيز وجودها الدبلوماسي في البلدان، حيث لديها اهتمام أو مصالح.
على الرغم من ذلك، يبدو طبيعياً بالنسبة إلى أركان الدولة أن تمضي سبعة أشهر على انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتشكيل حكومة، فيما لم تُقرّ التشكيلات الدبلوماسية بعد. لا يقلّ هذا الملف أهمية عن بقية التشكيلات، وهو في الدرجة الأولى مسؤولية وزير الخارجية الذي عليه أن يرفع مشروعاً بهذا الخصوص إلى الرئاسات الثلاث، على أن تُقرّ التشكيلات في مجلس الوزراء. الشغور الرئاسي على مدى سنتين ونصف سنة، لا يُعفي الوزير جبران باسيل من تقصيره في التحضير للمشروع، واستحصال التوافق السياسي عليه، ليكون جاهزاً مع انطلاق «العهد القوي». فهو وزير للخارجية طوال عهد الشغور الرئاسي، ويعرف الدبلوماسيين ومطالب القوى السياسية، على ما يقول دبلوماسي مخضرم.
من أصل 68 سفيراً في ملاك وزارة الخارجية (علماً بأنّ عدد السفارات اللبنانية في العالم هو 73 سفارة)، يدير نحو 32 سفارة قائم بالأعمال أو سكرتير (أي القنصل)، بسبب الشغور، أهمها: واشنطن، باريس، القاهرة (والجامعة العربية)، الصين، مدريد، الفاتيكان، وقريباً سيُحال سفير لبنان لدى الأمم المتحدة نواف سلام على التقاعد. مُشكلة دبلوماسيي الفئة الثالثة ليست في كفاءاتهم، بل في أنّ مراكزهم لا تسمح لهم بالتواصل مع الأعلى رتبة منهم، ما يعني استحالة اطلاعهم على الكثير من المعلومات.
سبب التأخر في بتّ ملّف التشكيلات هو «الانشغال في البحث عن قانون جديد للانتخابات. في أحيانٍ كثيرة، يكون التواصل مع وزير الخارجية مُتعذراً. ولكن إذا لم يكن هناك من تعقيدات، لسنا بحاجة إلى أكثر من 24 ساعة للانتهاء»، بحسب مصادر في «الخارجية». توافق مصادر أخرى متابعة للملف، على أنّ «انشغال باسيل بأمور أخرى أساس التأخير». الاستخفاف بهذا الملف يعود أيضاً إلى ما يُحكى «عن خلافات حول التشكيلات بين باسيل ومستشارة رئيس الجمهورية ميراي عون الهاشم، التي كانت تُتابع الملف الدبلوماسي قبل أن يتولى باسيل الخارجية». ووفق المعلومات «وصلت إلى الهاشم، قبل قرابة شهرين، مسودة من الخارجية تضم عدداً من الأسماء، وُضعت في الدُّرج». لم تستطع «الأخبار» التأكد من المعلومة من الهاشم، لعدم ردّها على الاتصالات. أما باسيل، فيُفضل بحسب مستشارته الإعلامية عدم تناول الموضوع في الإعلام حالياً.
في وزارة الخارجية، لجنة مؤلفة من الأمين العام بالوكالة (بعدما أحيل السفير وفيق رحيمي على التقاعد) ومدير الشؤون السياسية شربل وهبة، ومن مدير الشؤون الإدارية والمالية سعد زخيا. اجتماعات اللجنة كانت تسير ببطء شديد، وقد رفض باسيل عدداً من المسودات التي قدمتها اللجنة بسبب ملاحظاته على عمليات نقل عدد من السفراء من مراكزهم. قبل قرابة أسبوع، طلب باسيل من اللجنة تفعيل نشاطها. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ قراره أتى بعدما تواصل عدد من المعنيين مع الرئيس ميشال عون، لافتين نظره إلى أنّ التشكيلات الدبلوماسية من أساسيات العهود الرئاسية، لتعزيز التمثيل في سفارات العواصم الرئيسية. أمر ثانٍ، هو حاجة السفراء إلى تحديد موعد تعيينهم وتاريخ انتهاء مهماتهم، لأنّ ذلك ينسحب أيضاً على تنظيم شؤون عائلاتهم (كتسجيل أبنائهم في المدارس والجامعات). أما السبب الثالث، فإحالة شربل وهبة على التقاعد في تموز المقبل، وشغور منصبين: الأمين العام ومدير الشؤون السياسية. وعلى الأثر، عُقد اجتماع يوم الجمعة الماضي في «الخارجية»، بمشاركة السفير السابق عبدالله بوحبيب للبحث في الأسماء والترقيات.
التشكيلات في وزارة الخارجية ستشمل أيضاً مديريات الوزارة العشر، فضلاً عن الأمين العام للخارجية. المراكز التي ستشملها عملية «التصنيفات» (الترقيات) تبلغ 170، بحسب مصادر «الخارجية». ينصّ المشروع الذي يجري العمل عليه على «إعادة السفراء والمستشارين والسكرتاريين الذين أمضوا 10 سنوات في الخارج إلى الإدارة؛ ترفيع الدبلوماسيين من الدرجة الثالثة إلى الثانية، ومن الثانية إلى الأولى. إضافة إلى توزيع الأفراد على السفارات في الخارج». أما الأمين العام للخارجية، الذي عادةً ما يكون من حصة تيار المستقبل، فتحاول مصادر الخارجية الإيحاء بأنه قد يتم تعيينه من خارج الملاك ومن السلك القضائي أو العسكري. إلا أنّ مصادر تيار المستقبل تُرجح أن يُختار قنصل لبنان العام في اسطنبول هاني شميطلّي، المُقرّب من مدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري، لشغل المنصب. علت بعض الأصوات المعترضة على خيار شميطلّي، كونه شاباً، ما يعني وجود من هم أقدم منه في الملاك. ولكن قد يرسو الخيار عليه، أولاً كونه يحوز ثقة نادر الحريري، وثانياً، لأنّ عدداً من السفراء في الخارج يرفضون تعيينهم في الخارجية بسبب الفارق الكبير في الرواتب (لا يتخطى راتب الأمين العام الـ 2000 دولار أميركي، في حين أنّ بعض السفراء قد تصل رواتبهم إلى 17 ألف دولار شهرياً).
تتحدّث مصادر «الخارجية» عن بندٍ آخر في المشروع هو «إرساء مبدأ المداورة بين السفارات لتصحيح الخلل، مع المحافظة على المناصفة». يبدو الطرح استهدافاً في الدرجة الأولى للرئيس نبيه برّي، وخاصة حين تُقدم المصادر مثلاً «الدول الخليجية حيث السفير شيعي، ومعروفة العلاقة السياسية السيئة بين الطرفين. لماذا لا يكون على رأسها مسيحي؟». تردّ مصادر أخرى مطلعة على الملّف بأنّ الأمر «لن يكون خلافياً، شرط أن تكون المداورة متوازنة لناحية: موقع الدولة البديلة، دور الجالية والمستوى الاقتصادي. هل يقبل التيار الوطني الحر أن تُشمل واشنطن في المبادلة؟».
هناك شقّ آخر في الملف الدبلوماسي: تعيين مجلس الوزراء وفي «حالات استثنائية» (المادة 17 من النظام الداخلي لوزارة الخارجية) سفراء من خارج الملاك «شرط أن لا يتجاوز عددهم الإجمالي الـ 15 وأن لا يقل عمر الواحد منهم عن الـ 40 عاماً». يُعمل بهذه المادة لحاجة الدولة إلى أشخاص ذوي خبرات متخصصة قد تعطي قيمة مضافة في مراكز معينة. وقد اشتُرط أن تكون الحالة استثنائية، لأنّ هذا التعيين «يؤدي إلى تأخير التصنيفات الدبلوماسية في الفئات الثلاث». على أنّ الفقرة 5 من المادة 17، تنصّ على اعتبار السفراء من خارج الملاك «مستقيلين حُكماً عند انتهاء ولاية رئيس الدولة الذي عينّهم»، في مهلة شهرين، الأمر الذي لم يحصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، «فبقي هناك 6 سفراء من خارج الملاك يشغلون مراكزهم»، وفق مصادر «الخارجية». وتكشف المصادر عن اتجاه لدى عون لتعيين سفراء من خارج الملاك في الفاتيكان وباريس وواشنطن. في حين أن الرئيس سعد الحريري سيُعين سفراء من خارج الملاك في القاهرة (والجامعة العربية) والرياض ونيويورك (الأمم المتحدة).