انفجرت، علناً، الأزمة الصامتة بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. هذه الأزمة اندلعت في نيسان الماضي، يوم وافق الحريري على اقتراح قانون الانتخابات المبني على التأهيل الطائفي، الذي تبناه الوزير جبران باسيل، وهو ما عدّه جنبلاط إلغاءً لدوره.
وقبل ثلاثة أيام، كتب جنبلاط تغريدة على «تويتر» كانت كافية لتحويله إلى خصم سيحاربه رئيس الحكومة «حتى آخر دقيقة». قال رئيس الحزب الاشتراكي عبر «تويتر»: «لماذا لا تمرّ جميع المناقصات على إدارة المناقصات لمنع حيتان المال وحديثي النعمة والمفلسون الجدد من نهب الدولة وإفلاسها». لم يتأخر ردّ الحريري. فمساء أمس، وفي خطاب ألقاه في إفطار على شرف شخصيات بيروتية، اعتبر نفسه المعيَّن بتغريدة جنبلاط، قائلاً: «نعم أنا من المفلسين الجدد»، وأضاف: «اليوم هناك موضة جديدة تطل علينا، بحيث تقوم جماعة جديدة بإعطائنا دروساً بالفساد على أساس أنهم لم يستفحلوا بالفساد في السابق، فيجيؤون اليوم ويخبروننا عن سبل محاربة الفساد، في حين أننا نحن أكثر من يحارب الفساد وأكثر من اتهمنا بالفساد. نعم أنا من المفلسين الجدد، ولكن من المستحيل أن أعمل أي قرش من هذا البلد، غيري يكسب وكسب في السابق قروشاً من هذا البلد وسأحاربهم لآخر دقيقة، ومن يريد أن يتعاطى معي على هذا النحو، «فليبلط البحر»، أنا اسمي سعد رفيق الحريري. أنا لم آت لأستفيد من هذا البلد، بل جئت لأُعطي هذا البلد كما أعطاه رفيق الحريري». وحتى ساعات الفجر الأولى، لم يخرج أي تعليق جنبلاطي على كلام الحريري.
على صعيد آخر، جدد الحريري قبوله بـ«النسبية» نظاماً انتخابياً، قائلاً: «لقد كنا ضد النسبية في السابق، ولكن قد نكون لم ندرسها بالشكل الذي يجب أن ندرسها فيه، أكانت دائرة واحدة أم خمساً أم خمس عشرة أم إلى ما هنالك، أهم شيء هو التوصل إلى وضع قانون جديد للانتخابات لنخلّص البلد من فكرة الفراغ التي يمكن أن يصل إليها المجلس النيابي، لأن الوصول إلى الفراغ هو فعلياً الدخول في المجهول، ومن ثم إلى المجلس التأسيسي، ولا تدعوا أحداً يقول لكم غير ذلك، ونحن متأكدون أن لا أحد يريد الوصول إلى هذا الأمر».
لكن كلام الحريري عن «النسبية» يُخفي محاولته نسف مشروع النسبية المطروح للنقاش حالياً، رغم ما فيه من علل. إذ علمت «الأخبار» أن تيار المستقبل يريد فرض «عتبة تأهيل على المستوى الوطني»، بنسبة تتجاوز الـ10 في المئة، أسوة بما هو معتمد في تركيا، وهو النظام الذي تمسّك به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سعياً إلى إقصاء الأكراد عن مجلس النواب. وهذه «العتبة» تعني أنّ على كل لائحة تفوز في إحدى الدوائر أن تحصل على 10 في المئة من مجموع المقترعين في لبنان، لكي يتسنى لها التمثل ولو في مقعد واحد في دائرتها. وعلى سبيل المثال، في دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية، إذا حصلت لائحة الرئيس نجيب ميقاتي أو لائحة الوزير أشرف ريفي على ثلث أصوات الناخبين، فسيحق لها الحصول على 3 مقاعد على الأقل من مقاعد الدائرة، وفقاً لمشروع النسبية في 15 دائرة. لكن اقتراح الحريري يفرض على اللائحتين أن تكونا ضمن ائتلاف سياسي ترشّح في دوائر أخرى، وتمكّن من الحصول على 10 في المئة من أصوات جميع اللبنانيين. والـ10 في المئة قد تصل إلى نحو 200 ألف صوت في انتخابات تُجرى وفق النسبية، وتبلغ فيها نسبة الاقتراع 55 في المئة فقط. ويفرض اقتراح تيار المستقبل على جميع المرشحين المناطقيين و«المستقلين» الانضمام إلى لوائح حزبية عابرة لكافة الدوائر، أو بحملة أخرى، ركوب «بوسطة» أو «محدلة» من «المحادل» الكبرى. وفي مقابل تيار المستقبل، تقترح القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله والقوات اللبنانية، أن تكون عتبة التمثيل لكل دائرة على حدة، أي أن تتمثّل كل لائحة بمقعد واحد في الدائرة التي تترشح فيها، فور حصولها على نسبة أصوات تخوّلها الحصول على هذا المقعد. وهذه العتبة هي كناية عن «الحاصل الانتخابي»، أي قسمة عدد المقترعين على عدد المقاعد (في دائرة بعلبك الهرمل التي تضم 10 مقاعد، وإذا وصل عدد المقترعين إلى 150 ألفاً، تحصل على مقعد كل لائحة تحصل على 15 ألف صوت).
وقد تحدّث عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار عن هذه النقطة أمس، من دون الغوص في تفاصيلها، حين أشار إلى أن النقطتين اللتين يتمحور النقاش حولهما في مشروع النسبية هما «العتبة الوطنية للتمثيل المتعلقة بالحد الأدنى من الأصوات التي يجب أن تحصل عليه اللوائح، وكيفية احتساب المقاعد».
النقطة الثانية من النقاش عالقة عند اقتراح التيار الوطني الحر لطريقة احتساب الفائزين، إذ يطالب باعتماد آلية تُقسّم مقاعد كل دائرة طائفياً، فيجري ترتيب الأصوات التفضيلية للمرشحين المسلمين في جدول، وللمرشحين المسيحيين في جدول آخر. وبذلك، يضمن فوز المرشحين الذين حصلوا على أعلى نسبة أصوات تفضيلية، فلا يفوز مرشح حصل على أصوات تفضيلية أقل من منافسه على المقعد نفسه (وهو احتمال قائم، نظرياً، في «النسبية»، وفي حالات محددة تتوزع فيها الأصوات التفضيلية بطريقة تكاد تكون غير منطقية). وفيما عبّر الرئيس نبيه بري أمس عن رفضه لهذا الاقتراح، لم تتضح مواقف القوى الأخرى منه.
وبعد انتهاء الاجتماع، وفيما كان كنعان يتحدث عن مساعي طرف لاحتكار القانون، كانت الأمينة العامة لحزب القوات شانتال سركيس «تزفّ» إلى الشعب اللبناني «أننا أمام ربع الساعة الأخير للاتفاق على قانون جديد للانتخابات»، وذلك كله «بمسعى من القوات وبجهود النائب جورج عدوان»، على عكس ما تحدث عنه كل من كنعان وعدوان عن التنسيق المشترك والمبادرة والجهود المشتركة. علماً أن مشروع قانون الـ15 دائرة الذي تبناه نائب القوات ليس سوى نسخة عن المشروع الذي اقترحه التيار الوطني الحر في بكركي في عام 2013، الذي هو بدوره نسخة عن مشروع الوزير السابق مروان شربل الذي أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
من جهة أخرى، استهلت جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت برئاسة الحريري في السرايا الحكومية أمس بالحديث عن القانون الانتخابي. وقال وزير الثقافة غطاس خوري عقب انتهاء الجلسة إنه «بقي لدينا 19 يوماً للاتفاق على قانون انتخاب جديد، وأنا متفائل بالوصول إلى حل (..) فالتقدم الذي حصل أصبح على قاب قوسين من الاتفاق كما قال الرئيس الحريري، ونحن نعمل على الاتفاق النهائي». وعند سؤاله عن فكرة نقل بعض المقاعد النيابية، أجاب أن «هذا الموضوع لم يناقش في هذه الجلسة»، علماً بأنّ مصادر تيار المستقبل باتت تجزم بأنّ اقتراح نقل المقاعد سقط إلى غير رجعة، وأنّ الأمر الوحيد الذي يُناقَش هو إمكان إعادة المقعد الإنجيلي من دائرة بيروت الثالثة إلى الأشرفية.
وكان لافتاً تصريح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن «عدم كفاية فترة 3 أشهر لإجراء الانتخابات»، في حال اعتماد «النسبية»، في الوقت الذي لا تزال فيه مختلف القوى السياسية «تتوقّع» حصول الانتخابات قبيل نهاية العام الجاري.