لا يعترض حزب الله على أي قانون انتخاب. وقد رسم في هذه المرحلة سقفاً للمفاوضات لم يتخلّ عنه، وهو تخفيف التوتر الداخلي وتحصين علاقاته وسط العواصف الإقليمية. في المقابل، يربح مع الآخرين إرجاء الانتخابات

جرى العرف بأن تتعاطى القوى السياسية مع الثنائي الشيعي، في موضوع الانتخابات النيابية، كطرف واحد. تارة ينظر الى حزب الله على أنه صاحب القرار الفصل وحده في مسار إجراء الانتخابات أو التمديد للمجلس النيابي، كما حصل في التمديد الاول حين تمنّى على العماد ميشال عون أن يقبل بعدم إجراء انتخابات نيابية، أو حين يفصل كلام الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في تحديد مسار الوضع العام وإجراء الانتخابات الرئاسية أو النيابية.

وتارة ينظر الى الرئيس نبيه بري على أنه صاحب الافكار التي تبتدع حلولاً عجائبية، أو تعرقل إقرار قانون انتخاب لا يرى فيه مصلحة فردية أو مشتركة، وأنه بضغطه إيجاباً أو سلباً إنما يجرّ حزب الله ومعه البلد الى محطات قد لا تصح فيها حساباته، بدليل ما حصل قبل انتخاب عون رئيساً.
ورغم دور بري المحوري في أيّ توليفة سياسية، يبقى الاهتمام السياسي مركّزاً على ما يقدم عليه الحزب، في ضوء تمسّك خصومه بمقولة إنه وحده من يقرر إجراء الانتخابات، ووحده من يقرر هوية القانون الانتخابي، تماماً كما فعل مع انتخاب عون، وتشكيل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري بعدما سبق أن أسقط له حكومته. لكن، منذ أسابيع، ومع عودة بري الى التقاط خيوط اللعبة الانتخابية، سواء في حواره الثلاثي مع النائب وليد جنبلاط والقوات اللبنانية أو في سجاله الدستوري مع رئيس الجمهورية، بدا حزب الله بعيداً عن المشهد الانتخابي، لا يفصل فيه كما كان ينتظر منه. حتى إن كلام نصرالله، في 25 أيار، لم يشفِ غليل من كان يأمل منه أن يكون أكثر وضوحاً في رسم مسار الانتخابات وإقرار القانون.
من يرصد بجدية حركة الحزب، يتوقف عند سلسلة إشارات، تبدأ أولاً بقرار الحزب الانسحاب من مراكزه عند الحدود الشرقية وتسليمها للجيش اللبناني. وهذا في حدّ ذاته مؤشر أساسي الى أن الحزب يعمل، حيث تدعو الحاجة، على التخفيف من أعبائه مهما كان نوعها. والحزب في هذه المرحلة التي تكثر فيها التهديدات الإسرائيلية ضده، وضد لبنان، وتتضاعف التحذيرات بعد قمة الرياض العربية الاسلامية الاميركية، ومنها مؤشرات عن إبلاغ دول خليجية لرعاياها بتفادي السفر الى لبنان أو بفرض عقوبات مالية على الحزب، يحاذر القيام بأي خطوات سياسية تصعيدية في لبنان. فالحزب حالياً في مرحلة تهدئة داخلية، ظهرت بجدية مع مؤتمر الرياض ومنع تأثيراته على الوضع الحكومي، مع أخذ ملاحظة أساسية في الاعتبار، وهي تغطيته الكاملة لموقف وزير الخارجية جبران باسيل. وهذا ما فهم منه أنه أيضاً تمسّك بدور باسيل، بما هو أبعد من مؤتمر الرياض، ليعني داخلياً قانون الانتخاب، الذي بدا في الايام الاخيرة كأنه يصاغ بغير رضى التيار الوطني الحر ورئيسه. لكن نصرالله أعاد تصويبه، بدليل عودة الحركة الانتخابية الى مقر باسيل، لوضع نقاط على حروف المشروع الذي يظل مشروعاً حتى إشعار آخر، من دون أن ننسى أن الحزب أبدى استيعابه لمشاريع باسيل الانتخابية، ولم يمانع الأرثوذكسي الذي لوّح به مجدداً.

يحاذر الحزب في المرحلة الراهنة أي توتير داخلي، وهو المطمئن جداً الى علاقته برئيس الجمهورية ووزير خارجيته، يرغب في عدم افتعال أيّ مشكلة مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وحكماًَ مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم أنه لا يجاري اشتعال أي خلاف حالياً بين الأخير ورئيس الجمهورية، فيعمل على رأب الصدع بينهما، مدركاً لمخاطر تشبّث كلّ منهما بمواقفه لأسباب تتعدى التمسّك بالصلاحيات والدستور. ولأن الحزب يدرك أن الاستحقاقات الاقليمية أدهى اليوم من أيّ وقت سابق، سواء في سوريا أو العراق أو في محاولات أميركية وخليجية لتطويق إيران، فهو في غنى عن أي مشكلة في لبنان تضاعف عدد خصومه بدلاً من حلفائه. فمن كان يمكن أن يتصور أن الحزب يقف على خاطر جنبلاط في قانون الانتخاب في هذا الشكل العلني والصريح لنصرالله، فتعطى له الدوائر التي يريدها مهما كان شكل القانون، في وقت يذهب فيه الحريري بعيداً في معاداة حليف العائلة التاريخي؟ ومن كان يتخيّل أن تلعب القوات اللبنانية دوراً في تقريب وجهات النظر بين بري الموكل من الحزب ملف قانون الانتخاب، والتيار والمستقبل، فيعطى لها امتياز سياسي، بعدما أعطيت حصة حكومية يعتدّ بها، فلا يعترض الحزب ولا يعرقل، لكنه يصوّب؟ ومن يصدق أن الحزب الذي أراد النسبية في دائرة واحدة وانتقل الى ست دوائر، عاد ليقبل بالنسبية في 15 دائرة، التي يروّج لها الثنائي المسيحي، ولو أنهما سيندمان عليها لاحقاً؟
بين قائل إن الحريري يريد حالياً «صفر مشاكل» لأسباب مالية واقتصادية وانتخابية، ومن يقول إن حزب الله هو الراغب اليوم في «صفر مشاكل» لأسباب لا صلة لها بقانون الانتخاب من قريب أو بعيد، تبدو اهتمامات الحزب في مكان آخر، بتحصين ساحته الداخلية، وتمتين علاقاته مع المسيحيين والدروز، مدافعاً عن حقوقهما، من دون أن يستعجل إجراء الانتخابات، لأن أي اتفاق على شكل القانون لا يعني حتمية إجرائها. وفي الساعات الاخيرة التي عمّت فيها الضبابية حول قانون الانتخاب، تردّد أن الاتفاق المشكوك فيه حتى الآن محصور في شكل مشروع النسبية، وليس في تفاصيله الشائكة التي تحتاج إلى وقت لترجمتها عملياً على الورق، وهو الأمر الذي قد يعرقل إتمامه. لكن إجراء الانتخابات أمر آخر، والكل سيتحجّج بأن لا مصلحة لحصولها على أبواب الشتاء، وأن تطبيق النسبية يحتاج الى أشهر للإعداد لتطبيقها عملانياً. إلا أن الاتفاق السياسي سيعطي رئيس الجمهورية ذريعة تبرر التمديد غير التقني، فيأخذ المسيحيون مشروع قانون، ويأخذ حزب الله تأجيل الانتخابات الذي لا يضير أحداً من القوى السياسية، وخصوصاً تيار المستقبل.

المصدر: هيام القصيفي - الأخبار