التجنيد عبر «فايسبوك» و«شبكة» يديرها إسرائيليون في كردستان
مع استعار الصّراع في المنطقة، تحوّلت العصبيات المذهبية والعرقية، إلى منجمٍ للعدوّ، يغرف منه لتجنيد جواسيس جدد. وقد كشف الأمن العام اللبناني، من خلال توقيف مشتبه فيه يحمل الجنسية العراقية، عن «جهازٍ» إسرائيلي «أمني ــ عسكري» ينشط في الدول العربية بذريعة «محاربة الإرهاب»
ضمن سلسلة توقيفات تستهدف ضرب الشبكات التخريبية في لبنان، أوقف الأمن العام، قبل نحو شهرٍ ونصف شهر، متعاملاً مع أجهزة أمن العدوّ الإسرائيلي يحمل الجنسية العراقية. إنجاز الأمن العام تعدّى التوقيف، الى الكشف عن مؤسسة أمنية ــــ عسكرية، تحمل اسم «TASA ELITE»، يديرها ضباط إسرائيليون وتتخّذ من إقليم كردستان منطلقاً لتنفيذ عمليات أمنية في الدول العربية، لا سيّما سوريا والعراق ولبنان، تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب» و«الدول الداعمة للإرهاب». ففي 20 نيسان 2017، وبعد رصدٍ ومتابعة، اعتقل الأمن العام بناءً لإشارة القضاء المختصّ، المشتبه فيه مارفن بن ي. ي.، وهو من محافظة دهوك (شمال العراق) ومن سكّان منطقة السبتية شرق بيروت.
وفي التحقيق معه، تبيّن أنه ناشط منذ عام 2011 في قوّات البيشمركة الكردية، التي تقيم علاقات تعاون أمنية وعسكرية مع العدو الإسرائيلي، وتستضيف مستشارين أمنيين إسرائيليين علناً بذريعة محاربة تنظيم «داعش». الموقوف أكد أمام المحقّقين أنه لم يقاتل في صفوف البيشمركة، وأقر بأن تجنيده تمّ خلال وجوده على الأراضي اللبنانية، بعد دخوله مع أقربائه إلى لبنان بطريقة شرعيّة في 27 تشرين الثاني 2014، حيث تنقّل في العمل بين شركة لبيع المعدات الطبيّة في السبتية وشركة مستحضرات تنظيف في يسوع الملك، قبل أن ينتهي به الأمر في شركة لتوزيع المياه.
قبل حوالى ستّة أشهر، تلقّى مارفن طلب صداقة على حسابه على «فايسبوك» من حساب يحمل اسم «إيلان ناسيم». وبعدما توطّدت العلاقة بينهما، أسرّ ناسيم أنه ضابط في جيش العدوّ، وأنه طلب صداقة مارفن بسبب مواقفه على «فايسبوك»، والتي يعبّر فيها عن كرهه للعرب والمسلمين بسبب «المعاناة العرقية التي يتعرّض لها السريان، الذين لم يجدوا غير إسرائيل مسانداً لهم».
سريعاً، عرض ناسيم على مارفن جمع معلومات عن حزب الله والجيش اللبناني والسلطات السورية، وتجنيد أشخاص في لبنان والعراق. في البدء، تردّد الموقوف خشية انكشاف أمره من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية وتعرّضه لعقوبة الإعدام، إلّا أن الضابط الإسرائيلي نجح في إقناعه، مؤكّداً له بأن أمره لن يُكشف وأن أحداً لن يتعرّض له. واعترف مارفن أمام المحقّقين بأنه استطلع أماكن عدة في سياق المهمّات التي كُلّف بها ونقل مشاهداته لمشغّله، قبل أن يطلب منه الأخير قبل نحو أسبوعين من اعتقاله جمع معلومات عن مكان رفات الطيار الإسرائيلي رون آراد.
وقال الموقوف إن «العمل» كان يتمّ عبر حساب سرّي على «فايسبوك» طلب ناسيم منه إنشاءه، وادّعى بأنه لم يلتقِ مشغّله أبداً، رغم أنه كان دائم التنقّل بين لبنان وكردستان العراق. كذلك أقرّ بأنه قام، قبل فترة قصيرة، بربط شقيقه م. الذي ترك لبنان عام 2016 وعاد إلى العراق للعمل في ميكانيك السّيارات، بالضابط الإسرائيلي المذكور، إلّا أنه أنكر معرفته بمدى التعاون بينهما.
وقد تبيّن للأمن العام أن ناسيم يدير «تاسا ايليت» التي تعرّف عن نفسها بأنها «جهاز من ضباط النخبة في أكثر من جيش عالمي» هدفه «مكافحة الإرهاب واستعادة مدنيين تعرّضوا للخطف من قبل إرهابيين أو دول داعمة للإرهاب». إلّا أن أرشيفها يؤكّد أن ضبّاط هذا «الجيش» هم من عديد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويستخدمون معدّاته وينفّذون مهام مشابهة تماماً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية كـ«الموساد» و«الشاباك» وشعبة المخابرات العسكرية «آمان». كما تبين أن ناسيم، وهو من مواليد القدس المحتلّة عام 1966، ومقيم في الجزء الغربي من المدينة وفي مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، سبق أن نفّذ عمليات ميدانية في سوريا ولبنان والعراق واليمن وأفغانستان وأماكن أخرى، وعمليات تدريب لمقاتلين على الأسلحة والاغتيالات وتجنيد أشخاص لصالح الجهاز وجمع معلومات، وتنقّل في السنوات الأخيرة بين العراق والإمارات وقبرص وتركيا والأردن والشمال السوري والجولان السوري المحتل. ومؤخّراً، ظهر ناسيم في كردستان العراق على خطوط التمّاس إلى جانب قوات البيشمركة العراقية.
وقد أوقف الأمن العام إلى جانب مارفن، شقيقاً آخر له موجوداً في لبنان للتحقيق معه. وبعد مراجعة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، أشار بتوقيف الأول بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي وجمع المعلومات الأمنية لصالحه، وشقيقه للشّك في تعامله مع العدوّ.
تجنيد مارفن بسبب مواقفه على «فايسبوك»، تؤكّد استفادة أجهزة أمن العدّو من تنامي العصبيات العرقية والمذهبية في المنطقة، ورصد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمزاج الأفراد والجماعات على شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاولات تعميق الشروخ الحاصلة في ظلّ الصراعات المذهبية، واستغلال مشاعر «الأقليّات»، وتحويل إسرائيل إلى «مخلّص» بالنسبة إلى الجماعات الصغيرة، مع ازدياد حدّة الصّراع في سوريا والعراق. كما أن إسرائيل باتت تستغلّ تفشّي ظاهرة «داعش» لحجز دور الشريك في «مكافحة الإرهاب» على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، مع بدء العلاقات العلنية بين الكيان وبعض الدول العربية التي كانت تناصبها العداء في الموقف العلني، فضلاً عن العلاقات القديمة مع إقليم كردستان.