تعددت التحليلات خلال الأيام الماضية حول الدافع الذي أدى إلى قيام السعودية، وخلفها بعض الدول العربية، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، حتى أدى الأمر إلى شبه حصار لهذه الأخيرة بعد إقفال الحدود البرية بينها وبين السعودية ووقف الرحلات الجوية بينها وبين الدول المعنية بالإضافة إلى إقفال الحدود البحرية أيضاً.
بعض المحللين أعاد السبب إلى تصريح أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في نهايات الشهر المنصرم الذي تطرق فيه إلى العلاقات القوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية نظراً لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة.
بعد انتشار تصريح أمير قطر أعلن المسؤولون القطريون أن الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء الرسمية التابعة لها تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة وأنّ المخترقين نشروا عليه تصريحاً مغلوطاً نسبوه الى أمير البلاد تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. لكن السعودية لم تصدق هذا الزعم، وعمل إعلامها على مهاجمة قطر.
غير أن صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية ردّت سبب الخلاف الشديد بين قطر من جهة والسعودية وبعض الدول العربية الأخرى إلى أن السلطات القطرية دفعت نحو مليار دولار مقابل الإفراج عن 26 صياداً قطرياً، اختُطفوا جنوب العراق في نهاية العام 2015، وهذا ما أثار غضب السعودية لأن الاتفاق حول هذا الإفراج جرى بين الدوحة وطهران.
هذه التحليلات لا يجب أن تجعلنا نغفل وقائع أخرى قد تكون هي السبب الحقيقي في هذا الخلاف القطري السعودي الشديد.
منذ أيام نشرت صحيفة "هافنغتون بوست" الأمريكية مقالاً لديفيد هيرست تحدث فيه عن دوافع الحملة على قطر، وهي الدوافع التي تُظهِر شدة التحالف بين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والتي يعيدها الكاتب إلى أن وجود ترامب فرصة لإنهاء المهمة التي بدأت في يونيو/حزيران 2013 عندما تمت الإطاحة بمرسي، والدافع الثاني هو دافع الرجلين الشخصي من خلال شن هجوم على قطر، يهدف ليس فقط لإسكات المعارضة الخارجية، وإنما الداخلية أيضاً، لا سيما داخل الأسرة المالكة السعودية، وهو أمر ضروري في المعركة على منصب الملك مستقبلاً بين بن سلمان وولي العهد محمد بن نايف.
الدافع الثالث الذي يدفع بن سلمان وبن زايد لمحاربة قطر يرده الكاتب إلى وجود قاعدة القيادة الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية في تلك الدولة.
إلى هنا انتهى الحديث عن مقالة هيرست. لكن هذا التحالف الذي ذكره الكاتب بين بن سلمان وبن زايد يدفعنا للحديث عن تحالف آخر مواجه بين محمد بن نايف ولي العهد السعودي وتميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، وهو تحالف ذو فوائد جمة لبن نايف في مواجهة منافسه على العرش السعودي محمد بن سلمان. وتعود هذه الفوائد إلى أن القدرة المالية القطرية كبيرة جداً، بالإضافة إلى امتلاكها صوتاً إعلامياً عالياً هو قناة الجزيرة، (وهذا ما يفسر إصرار السعودية على إقفال هذه القناة)، بالإضافة إلى أن قطر تُعدّ حاضنة الإخوان المسلمين ومن ضمنهم حماس، وهذا ما يمكن أن يكون لصالح بن نايف في مواجهة محاولات بن سلمان وبن زايد التطبيعية مع "إسرائيل".
تحالف بن نايف وتميم أثار بن زايد وبن سلمان فاستغلا الفرصة مباشرة بعد القمة الإسلامية والعراضة التي قدمها بن سلمان لترامب ما يجعلهما في مأمن من التدخل الأمريكي ضدهما، وكان الهجوم المشترك إماراتياً وسعودياً على قطر، مع استعانة بن سلمان بالخارج (أميركا وفرنسا ومصر ودول التحالف) نظراً لعدم وجود قوة وازنة لديه داخل العائلة المالكة، بينما يتمتع بن نايف بثقة بالنفس كونه مدعوماً ومؤيداً من غالبية الأمراء في العائلة المالكة المتذمرين من تصرفات بن سلمان الطائشة والمتهورة.
وهكذا عمل بن سلمان على ترويض تميم وترويض بن نايف من خلفه من خلال خطة معدة مسبقاً تم خلالها اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وبث الخطاب المختلق لتميم، وبدأت بعدها الحملة الإعلامية عبر وسيلتي بن زايد وبن سلمان الإعلاميتين (سكاي والعربية) في تغطية اتضح للجميع أنها لا يمكن إلا أن تكون معدّة مسبقاً .
الأسباب السعودية الداخلية التي دفعت المملكة إلى هذه الهجمة الشرسة على قطر يؤكدها ما ذكره المغرد السعودي المعروف "مجتهد" من أن سبب القفزة المفاجئة لما يشبه إعلان حرب ضد قطر يعود إلى التسريبات حول تدخل الإمارات لتنصيب بن سلمان وعلمهم بتسريبات أخطر في الطريق.
ويقصد بالتسريبات مجموعة الوثائق التي نشرتها صحيفة "ديلي بيست" الأميركية نقلاً عن البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن.
وقال "مجتهد" إن "استخدام وزير دفاع أمريكي سابق للتأثير على قرارات أمريكا الاستراتيجية الكبرى مقابل مبلغ من المال يعتبر فضيحة في السياسة الأميركية"، كما أن "الإمارات حاولت التأثير على القرار الأمريكي بأساليب غير أخلاقية (أمريكياً) وبهذا ستخسر كل ما جمعته من رصيد في رضا الأمريكان عنها".
وأضاف: "التدخل في تنصيب ابن سلمان والتأثير على أميركا من أجله فهذا ما أغضب ابن سلمان تحديداً لأنه جعل خطواته مكشوفة تماماً وحول الإشاعات إلى حقيقة".
وأردف: "الأخطر هو توقعهم مزيداً من التسريبات تتحدث عن نفس القضيتين لكن بشكل أكثر وضوحاً وتآمرية مما سيعري ابن زايد وابن سلمان تماماً خاصة أمام الأمريكان".
يُذكر أن تصاعد التوتر بين بن سلمان وقطر دفع بن نايف لاستنفار قوته في الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية تحضيراً لأي خطوة يمكن أن يقدم عليها بن سلمان داخلياً ومنها أن يقوم والده الملك سلمان بالتنازل عن العرش لصالحه مباشرة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع