"لو كنت مكانهم .. وفي سنهم اليوم.. لأرخيت لحيتي وحملت السبحة.. ومضيت معهم..".
تلك كانت آخر كلمات الرئيس الراحل حافظ الاسد لمراسلة إحدى شبكات التلفزة الاميركية وعلى أبواب تحرير الجنوب في العام 2000 عندما حاولت الحصول منه على موقف في وجه المد الاسلامي المتنامي في الشارع العربي المنتفض لكرامة الامة العربية والاسلامية في شوارع فلسطين المحتلة والمقاوم في جنوب لبنان.. وصدمها الجواب..
حافظ الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية،يرغب في لحظة صفاء وعلى الهواء مباشرة أن يكون في الشارع مع الشباب المؤمن بربه وبطريقه للحصول الى الحرية والكرامة واستعادة المقدسات. ولربما كان هذا الجواب هو احد أسباب الحرب المفروضة من العالم على سوريا الاسد إلى اليوم.
ماذا نتذكر عن حافظ الاسد؟
في لبنان لن ننسى ايام العدوان الصهيوني من وقف الى جانبنا، وحمى لبنان ودعم المقاومة حتى آخر نفس قبل وفاته. وقد فرح كثيراً أنه سمع بتحرير الجنوب وهو على فراش المرض، فانفرجت اساريره.
اما فلسطين فلا يزال دعاؤه المشهور مدوياً: "اللهم لا تتركني حياً لليوم الذي يمكن أن ارى فيه علم "اسرائيل" مرفوعاً في دمشق". حضن الانتفاضة الفلسطينية وحفظها بأهداب عينيه، حمى الشعب وقيادته وبندقيته .. واللاجئون اعطاهم كامل الحقوق. إنه بحق أسد المواجهة الذي صمد رغم الضغوط ولم ترعبه التهديدات والقرارات الدولية.
وُلد حافظ الاسد في العام 1930 في قرية القرداحة بمحافظة اللاذقية لأسرة كانت تعمل في الزراعة. تابع تعليمه الأساسي في مدرسة قريته ثم انتقل إلى مدينة اللاذقية حيث أتم تعليمه الثانوي ونال شهادة الفرع العلمي. لم يتمكن من دخول كلية الطب في الجامعة اليسوعية ببيروت لبعض الظروف، لذا التحق بالأكاديمية العسكرية في حمص عام 1952 ومن ثم التحق بالكلية الجوية ليتخرج منها برتبة ملازم طيار عام 1955 ليشارك بعدها ببطولة الألعاب الجوية ويفوز بها.
التحق الاسد بحزب البعث عام 1946 عندما شكل رسمياً أول فرع له في اللاذقية. كما اهتم بالتنظيمات الطلابية حيث كان رئيس فرع الاتحاد الوطني للطلبة في محافظة اللاذقية، ثم رئيساً لاتحاد الطلبة في سوريا.
بعد سقوط نظام أديب الشيشكلي واستلام البعثيين للسلطة اختير حافظ الأسد للذهاب إلى مصر للتدرب على قيادة الطائرات النفاثة ومن ثم أرسل إلى الاتحاد السوفييتي ليتلقى تدريباً اضافياً على الطيران الليلي بطائرات ميغ 15 و ميغ 17 والتي كان قد تزود بها سلاح الجو السوري.
خلال الوحدة بين سوريا ومصر انتقل مع سرب القتال الليلي التابع لسلاح الجو السوري للخدمة في القاهرة حيث كان برتبة نقيب (حسب بعض المصادر رائد).
وقع حزب البعث مع عدد من الأحزاب في سوريا على وثيقة الانفصال في عام 1961 وسجن على إثر ذلك حافظ الأسد مع عدد من رفاقه في اللجنة العسكرية في مصر لمدة 44 يوما أطلق سراحهم بعد ذلك وأعيدوا إلى سوريا في إطار عملية تبادل مع ضباط مصريين كانوا قد احتجزوا في سوريا. أبعد حافظ الأسد بعد عودته عن الجيش لموقفه الرافض للانفصال وأحيل إلى الخدمة المدنية في إحدى الوزارات لكنه ظل مرتبطا باللجنة العسكرية التي استطاعات في عام 1962 بالتعاون مع بعض الضباط البعثيين والناصريين الانقلاب على حكومة الانفصال.
استلم حزب البعث في انقلاب 8 آذار/مارس 1963 السلطة فيما عرف بثورة الثامن من آذار. أعيد بعدها الرائد حافظ الأسد إلى الخدمة من قبل صديقه ورفيقه في اللجنة العسكرية مدير إدارة شؤون الضباط آنذاك المقدم صلاح جديد ورقي بعدها في عام 1964 إلى رتبة لواء وعين قائداً للقوى الجوية والدفاع الجوي.
تولى حافظ الأسد منصب رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع في 21 تشرين الاول/نوفمبر 1970 ثم مارس صلاحيات رئيس الجمهورية في 22 شباط/فبراير 1971 ليثبت في 12 آذار/مارس 1971 كرئيس للجمهورية العربية السورية لمدة سبع سنوات بعد إجراء استفتاء شعبي .
وبعدها أعيد انتخابه في استفتاءات متتابعة أعوام 1978 و1985 و1992 و1999.
على الصعيد الخارجي رفض الرئيس الاسد معاهدة كامب ديفيد التي وقعت بين السادات و"اسرائيل" وطالب بحل شامل للقضية الفلسطينية. في عام 1998 حاولت اميركا الضغط على سوريا لتوقيع اتفاقية صلح منفرد مع "اسرائيل" بشروط ترضي كيان العدو، لكن إصرار الرئيس الأسد على استرداد كامل أرض الجولان التي احتلت في العام 1967 أسقط هذه المحاولات .
توفي الرئيس الاسد عام 2000 إثر أزمة قلبية مفاجئة وشاء الله ان يكون آخر المتحدثين معه فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود، وكان الحديث عن الانتصار الذي حققته المقاومة بدحر العدو الصهيوني عن معظم الاراضي اللبنانية. وينقل الرئيس لحود عن الراحل انه كان معتزاً وفرحاً بما حصل..
في الحياة وفي الرحيل بقي لبنان في قلبه وعقله وبقيت المقاومة .. الطريق الذي اختاره ليستعيد الحق المغتصب. سيبقى التاريخ يذكر له وقفات العز.. وأما المنهزمون.. فمصيرهم الى النسيان.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع