كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الخلاف السعودي القطري والذي تجاوز الأزمة الدبلوماسية والإعلامية ليتخذ طابعاً ليس بجديد في تاريخ الخلافات السعودية القطرية، فقد شهد البلدان خلافاً حدودياً في عام ١٩١٣ بسبب رغبة السعودية بضم شبه جزيرة قطر لحدودها في إقليم الإحساء، ولكن نجحت قطر في استمالة بريطانيا لصفها وتم الاعتراف بقطر كحدود مستقلة عن المملكة العربية السعودية. عاد الخلاف ليظهر من جديد على خلفية انقلاب الشيخ حمد والد الامير الحالي على أبيه خليفة، فحاول السعوديون من جديد الانقلاب على الشيخ حمد وإعادة أبيه إلى السلطة. وكانت قد وجهت الدوحة علناً في عام ١٩٩٦ أصابع الاتهام إلى السعودية بمحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد عبر التحضير لانقلاب على الشيخ حمد، وكانت ردة فعل الدوحة انتقامية آنذاك، حيث قامت بطرد كل من اعتبر موالياً للسعودية وللشيخ خليفة حيث طردتهم إلى السعودية وسحبت منهم الجنسية القطرية.
عاد هذا الخلاف ليطفو على السطح بين كل من السعودية وقطر على خلفية الملف السوري في عام ٢٠١٤ والقتال بين الجماعات المدعومة قطرياً وتلك المدعومة سعودياً، فكلا البلدين حاول وما زال يحاول أن يلعب الدور الأبرز في قيادة الفصائل المناهضة للدولة السورية. انحازت قطر للفصائل التي تتبنى فكر الإخوان المسلمين، بينما اختارت السعودية الفصائل المتطرفة والسلفية والقليل من بعض شخصيات المعارضة العلمانية والتي لا تختلف عن شقيقاتها في تقديم فروض الولاء والطاعة لكل من المال السعودي والقطري.
بعد زيارة ترامب للمملكة قامت السعودية بدورها في تقديم فروض الطاعة ودفعت الجزية نقداً بصفقات وعقود عاد بها ترامب فرحاً إلى بلاده ليخفف من حدة توتر شعبه ومناهضته لسياساته المجنونة، سواء في الداخل أم الخارج. ما يهم حاكم البيت الأبيض هو المال وليس سواه، فهو تاجر ولا يفهم إلا لغة المال ولغة الربح لا الخسارة. بعد الاجتماع الامريكي في مملكة الرمال والنفط ، كان ترامب قد أمر الملك سلمان بشن حملة إعلامية ودبلوماسية ضد قطر، والسبب ليس لأن قطر تدعم الإرهاب، لأننا ولسبب بسيط لا نثق بالتصريحات الأميركية على وجه العموم ولا الترامبية على وجه الخصوص.
المشكل هو التوقيت بعينه، فقطر منذ قبل ما يسمى بالربيع العربي كانت قد مولت جماعات تنتمي لتنظيم القاعدة في العراق، كما كانت مولت جماعة طالبان في أفغانستان، والجزيرة لم تخفِ في يومٍ من الأيام توجهاتها الإخوانية، ولكنها انحازت وبشكل أوضح مع مجيء الربيع العربي والذي أطاح برؤساء عرب في كل من تونس وليبيا واليمن ومصر.
مع ذلك فلم توجه الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى قطر على خلفية دعمها لجماعة الإخوان المسلمين في كل من تونس ومصر وسورية. الولايات المتحدة تعرف جيداً استغلال الفرص، والفرصة جاءت على طبقٍ من ذهب إلى السيد الأمريكي من قبل العبيد "حكام الخليج"، فالسعودية دفعت الكثير من المال في حروبها الإقليمية التي مولتها وخاضتها بالوكالة في كل من "سورية" و"اليمن" وما زالت تراهن عليها. وكما أن اجتماع الرياض مع السيد ترامب كان قد كلفها الكثير من الأموال لحماية نفوذها إقليمياً من (البعبع الإيراني) وبالتالي كان لا بد من إيجاد دولة ثانية صغيرة بنظر مملكة آل سعود وهي "قطر" تلك الإمارة التي تجاوزت الحدود المسموح بها سعودياً وأمريكياً عندما قامت بالتقارب مع إيران، والحجة هي عينها، المطامع الشيعية في المياه الإقليمية الخليجية وتدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن الرياض تطبع مع إسرائيل وكانت قد أعلنت في القمة العربية الأخيرة والمنعقدة في عمان أن على الدول العربية المصالحة مع إسرائيل، فتحولت إسرائيل من عدو يحتل أرضاً عربية إلى دولة صديقة من منظور السعودية وبعض الدول التي تقيم علاقات طبيعية معها كالإمارات والبحرين والأردن.، وإن كان علناً أم خفاءً.
شيطنة إيران وانتقال الحرب من الخندق ضد إسرائيل إلى الحرب ضدها هو مشروع أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى، ولكن كان لا بد من إيجاد أدوات منفذة فكان أن وقع الاختيار على السعودية فهي تملك المال والنفوذ وتقود الجماعات السلفية والمتطرفة، فجاءت الأزمة الخليجية لترجمة هذا المشروع على أرض الواقع، وكان على قطر أن تشارك في دفع الجزية جنباً إلى جنب مع السعودية لسيد البيت الأبيض. حجة دعم جماعات إرهابية والتحريض والتدخل في شؤون الدول الداخلية لا تنطلي علينا يا سيد ترامب، فإن كانت الحجة هي دعم الإرهاب، فالولايات المتحدة هي أول من خلق مصطلح الإرهاب ومن ثم عملت على استصدار قانون لمكافحته بعد أحداث أيلول. والولايات المتحدة سمحت لنفسها حتى بتصنيف جماعات مقاومة للعدو الصهيوني كحماس وحزب الله ووضعتها على لائحة الإرهاب.
لايختلف اثنان على أن كلاً من قطر والسعودية هما دولتان داعمتان للإرهاب بامتياز وعلى مرأى ومسمع من الولايات المتحدة الامريكية منذ أيام أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق واحتلاله فيما بعد إلى مجيء أحداث ٢٠١١، ولكن كان لا بد من دفع الفاتورة الباهظة لحروب الولايات المتحدة في المنطقة والزبون المطيع الجاهز كان حكام السعودية والإمارات والبحرين وقطر. كيف يمكن للولايات المتحدة أن تشن تلك الحرب الكلامية على قطر وتدعو إلى حظرها وعزلها اقتصادياً وحدودياً بغية ردعها وكف يدها عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، ولكن في الوقت عينه توقع صفقات لبيعها طائرات بوينغ وتسليحها بمليارات الدولارات؟ الإجابة كانت قد وردت أعلاه، ترامب لايهمه إلا بلاده وجلب الاستثمارات والأموال لشعبه والرجل محق، فهو منبوذ داخليا ويريد أن يشتري رضى شعبه ولو عن طريق أموال الغير ولم لا ما دام عبيد وحكام الخليج راضين عن دفع الجزية لترامب مقابل حمايتهم واستمرار حكمهم ؟!!
الولايات المتحدة لا يهمها سوى إرهاب الشعوب وخاصة العربية منها، فهي لا تهتم لا بديمقراطية ولا بحرية الشعوب العربية، ولو كانت تهتم لما كانت خلقت داعش ومولته من رحم الشعب العربي المسلم، ولما كانت خلقت هذه الحرب الشيعية السنية التي جعلت كلاً من السعودية وقطر وإيران واليمن وسورية وليبيا وتونس والعراق والقائمة تطول..، وقوداً لحربٍ لم يختاروا تاريخ وقوعها، ولكنهم حتماً سيوقعون على تاريخ إزالة ممالك بأيديهم هم، وانتصاراً للحلف المقاوم والمناهض لإسرائيل في كل من سورية والعراق واليمن وفلسطين وتونس و... متأملين يوماً أن يستفيق العرب من سباتهم العميق.
* باحثة في العلاقات الدولية - باريس
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع