"الاعتقال في الصيف له نكهة الشواء" 
عبارة قد تجبرك، عند سماعها من فم احد المعتقلين، على اطلاق ضحكة سرعان ما تتحول إلى ألف غصة وغصة، عندما تحاول تجميع خيوط ما يدور خلف الجدران السوداء للمعتقل.
غالباً ما يتم نقل المعتقلين إلى مبنى المعتقل داخل صندوق سيارة الصهاينة، أو بعض عملائهم، بعد أن يتم تحويل أي قطعة قماش تقع تحت اليد إلى "عُصابة"  تلتف بالقوة على الرأس لتغلق العين وتضيّع البوصلة. ولكم تخيل الحر والتعرق وضيق التنفس الذي يتعرض له المعتقل وهو على هذه الحالة. هي خطوة في طريق طويل من العذاب المرير.

بعد الوصول إلى مبنى المعتقل، يبدأ التفنن الإجرامي باستعمال تقنيات التعذيب لمحاولة قتل عزيمة المعتقلين، ومحاولة تطويعهم، كما يشتهي الجلاد المحتل.
خلف الجدران العالية، التي تمنع نسمات الهواء من تلطيف الجو، يُعد الوقوف لوقت طويل تحت الشمس الحارقة واحدة من تقنيات التعذيب التي تكاد تقتل. ومن ثم ينتقل المعتقل إلى غرف التحقيق حيث يتعرض لسيل من التعذيب المتوحش: صعق بالكهرباء، جلد بالكرباج، تعليق على العمود، رمي الماء الساخن على الجسد يتبعه ماء بارد... الخ.
 كل ذلك يزيد التعرق وتبلل الجسد والثياب، ويضاف إليه الكثير من الدماء التي تُلصق الثياب بالجسد الصامد أبداً. وقد التصقت الثياب بأجساد الكثير من المعتقلين حتى استحال خلعها من دون سلخ الجلد، وما يستتبع ذلك من آلام رهيبة في أجواء من الحرمان والإهمال والاستهتار.
لاحقاً اهتدى المعتقلون إلى طريقة مبتكرة لإزالة الثياب الملتصقة بالأجساد، بفعل التعرق والدماء، عبر انتظار طويل حتى تسمح مزاجية السّجان للمعتقلين بالاستحمام. حينها كانوا يبللون الثياب بالماء تحت "الدوش" وهي على جسد المعتقل ويتركونها بضع دقائق حتى "تتحلحل" ويسهل خلعها دون انسلاخ الجلد، ومن دون آلام إضافية هم بغنى عنها.
في المراحل الأولى من عمر المعتقل (1985-1990) كانت ظروف الاعتقال قاسية للغاية بحيث كان يتكدس من ستة حتى عشرة معتقلين داخل زنزانة صغيرة، متر ونصف بمترين ونصف تقريبا، بحيث لا يقدرون على التحرك وكانوا ينامون مداورة. وعلينا تخيل مدى الإحساس بالحر وضيق النفس وقوة التعرق الذي يعانونه ضمن تلك الزنازين التي أطلقوا عليها اسم "مقبرة" أو "قبور".
ولتفادي الإحساس بالحر القاتل كانوا يرشون القليل من الماء المتيسر فوق ارضيات الزنازين، وينامون فوقه. وبسبب هذا "الانحشار" كان التقلب ليلاً من سابع المستحيلات لذلك سجّلت حالات كثيرة من التصاق أجساد المعتقلين بالأرض، وبالتالي انسلاخ جلودهم عند محاولة النهوض.
خلال جولات السجانين من الصهاينة وعملائهم لوحظت رائحة التعرق الزائد والتعفن والرطوبة بين الزنزانات بسبب تكدس المعتقلين فوق بعضهم البعض، وعدم وجود منافذ تهوئة، فتم اتخاذ قرار بنقر سقف كل زنزانة عبر فتحات تتراوح أبعادها من (25 الى 40 سم) للمساهمة في التهوئة والتخفيف من ظواهر الرطوبة والتعفن والرائحة النفاذة.
في المراحل اللاحقة  نفذ المعتقلون مجموعة من الإضرابات والاعتصامات وساندتهم تحركات محلية ودولية فتحسنت ظروف الاعتقال نسبياً حتى تمكنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر من تنفيذ زيارات دورية لهم منذ العام 1995.... كل ذلك ألزم العدو بافتتاح مبانٍ جديدة بين أسوار المعتقل ما قلل الاكتظاظ نسبياً وأدخل المعتقلين في مرحلة بحبوحة مقارنة مع وضعهم السابق، فغدا باستطاعتهم  التنعم بكميات زائدة من المياه، وازداد معدل قدرتهم على الاستحمام... والأهم من ذلك انخفض عدد المعتقلين داخل الزنزانة الواحدة بالمقارنة مع المراحل السابقة من عمر المعتقل.
عندها صار بإمكان المعتقلين أن ''يصنعوا'' مروحة "محلية الصنع" بقواهم الجسدية. فكان احدهم يقف في منتصف الزنزانة ويحمل منشقة أو قطعة قماش ويبدأ بإدارتها فوق رأسه بحركات سريعة تحاكي حركات المروحة لتبديل هواء الغرفة قليلاً، وبذلك يحس المعتقلون بنسمات صغيرة تداعب وجوههم. وعندما يحس بالتعب كان يجلس جانباً وتنتقل المهمة الى آخر... وهكذا دواليك. 
ولأن إرادة الصمود تبقى أقوى من قيد المحتل فقد قام بعض المعتقلين باختراع "مُبرِّد ماء" بطريقة بسيطة ومبتكرة من خلال لف قطعة من منشفة فوق قنينة فارغة وتتم خياطتها فوقها باحكام حتى تبدو وكأنها تلبسها.

كان المعتقلون يملأون تلك القنينة بماء الشرب ثم يبللون المنشفة الخارجية بكمية من الماء الذي يأخذ بالتبخر حسب قواعد الفيزياء مصطحباً معه حرارة الماء من داخل القنينة الذي يبرد شيئاً فشيئا. ويحافظ هذا "المبرّد" على حرارة الماء باردة لفترة مقبولة.
طبعا مع دخول اللجنة الدولية للصليب الاحمر الى المعتقل منذ العام 1995 تحسّنت ظروف الاعتقال نسبياً، لكن صمود المعتقلين وتصاعد العمل المقاومة أسقط المعتقل نهائياَ في العام 2000 ابان عيد التحرير المبارك.

 سيناريو تم تجميعه من شهادات عدة.

المصدر: شاهد نيوز