لهذا الصباح حكايات كثيرة، يرويها الجنوبيون بشغف يتعاظم بعد عام، وببسمة صارعت كل المرارات وما زالت، تسطع حادة متوهجة، كلمّا فتحوا درج الذاكرة المخصص ليوم صارت فيه "عيتا" ميدان الحكاية الأجمل.. 
تجول صبحا في القرى المحرّرة، فترى في العيون التي ملؤها لهفة التذكّر وحماس استعادة احداث ذاك الصباح حيث تهافت الناس على توزيع الحلوى واطلاق الزغاريد الجنوبية ابتهاجا بأسر جنديين على يد المقاومة التي صنعت التحرير عام ٢٠٠٠، اي قبل عملية الوعد الصادق بستة اعوام.

اليوم، وبعد ١١ عاماً على صباح الوعد الصادق، ما زالت مفاعيل الانتصار تجري في عروق الجنوب، وسائر المناطق التي احتضنت المقاومة من الضاحية التي عادت اجمل مما كانت الى البقاع الأبيّ الذي كان ولا يزال منبع الابطال. ما زال الناس يتمسكون بحبهم للتراب المطهّر بخطو المقاومين، وبدمهم الذي يزهر في كل المواسم. ما زالوا يشعرون بفرحة تهديد العدو وبالقدرة على الردع وصد العدوان..

هنا في الجنوب، حبات التراب واعتاب البيوت تروي لك الحكاية بلغة الكرامة المعمّدة بالدم وبالنار وبالوجع. هذه البيوت التي معظمها دُمّر ولو جزئيا خلال حرب تموز، عادت بعد الإعمار اكثر تمسكا بنهج المقاومة.. "تدمّرت البيوت بس كبّرت عزتنا" تقولها ام علي فيما يداها منهمكتان بشكّ اوراق الدخان.. تضحك لذاكرتها وهي تحكي كيف طلبت الى زوجها ان يحضر البقلاوة من بنت جبيل.. "قلت لأبو علي يلا اني بكفي شك الدخانات وانت اوصل عبنت جبيل جيب بقلاوة".. المواسم المتعاقبة على تجاعيد يديها تختزن الفرح الذي شعرت به، وسائر ابناء الجنوب، رغم التعب.

قبل ان تنهي ام علي سردها، تَحضر صبية كانت في تموز طفلة بعمر الخمس سنوات.. زينة. تشير اليها امها وتقول "لما بلش القصف ما خفتش الا عليها. كانت كل ما طلع ضربة تنقز وتتخبى فيي". وتقسم انها لولا وجود رينة واخوتها لما غادرت قريتها خلال الحرب، فيما بقي زوجها واخوتها. تقول "كنت قول يمكن نرجع ما نلاقيهن وما نلاقي البيت، بس بدنا نرجع". ورجعوا. ما وجدوا البيت، "يوم لي رجعنا كان نص البيت بالارض.. صارت زينة تبكي وصرت قلها معليش يا امي بكرة منعمر احسن منو.. انقهرت وبنفس الوقت قلت الحمدلله الحمدلله شو ما يروح من عنا رخيص ادام كل شاب من هالشباب لي صانت هالارض".. تتحمس وترمي "مشك الدخان" من يدها لتقسم يمينا معظّمة ان كل ما تملك  يهون ويرخص امام تضحية كل مقاوم، تقسم انها تخجل ان تقول ان بيتها تعرض للدمار وهي تدري ان ثمة بيوتاً تزينت بالشهداء..


ومثل ام علي وعائلتها الوف من الامهات والعائلات التي قدمت قرابين الانتصار وقالت بكل عزة ورضا "فدا المقاومة".. وما زالت عند هذا الخط، تقف فخورة بما قدمت وما ستقدّم، تتذكّر الحاج رضوان اسما مرادفا للانتصار وللعمليات التي جعلت هذه الارض المقدسة اكثر قداسة، اكثر احتضانا للمقاومة، اكثر فخرا بالشهداء وعوائلهم وبيوتهم وقراهم.. اكثر قربا من فلسطين..

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع