في التاسع والعشرين من شهر حزيران/ يونيو من العام 2014 اعلن الناطق باسم «داعش» آنذاك المدعو ابو محمد العدناني ( قتل في الثلاثين من شهر آب/ اغسطس 2016) عن وقف العمل بمسمى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) والاقتصار على اسم «الدولة الاسلامية» أي ما عرف على أنه اعلان للخلافة.
لقد جاء هذا الاعلان ليضيف عنصراً جديداً الى العناصر الخلافية التي كانت قائمة بين داعش من جهة وتنظيم «القاعدة» من جهة أخرى. 
مما لا شك فيه أن الخلافات ببعدها الاساسي تتعلق بالاستقطاب، ومحاولة داعش وراثة تنظيم «القاعدة» بقضه وقضيضه، ما دفع بالقاعدة الى السعي لاستهداف مرتكزات اعلان الخلافة لناحية البنية الفكرية لها، وهدم صحة اعلانها.
ركّز تنظيم «القاعدة» في استهدافه ضرب البنية «الشرعية» لخلافة البغدادي على نقطتين: 
الاولى: تتعلق باسلوب «البيعة» وشروطها، مشككاً في أهلية «أهل الحل والعقد» الذين زعم داعش انهم نصبوا البغدادي «خليفة»؛ بسبب مجهوليتهم وعدم معرفة شخصية هؤلاء.  
الثاني: شرعية اعلان الخلافة نفسها، لناحية عدم استيفائها للشروط المفروض توافرها؛ وكانوا يعنون بها «التمكين». ومقتضى هذا الامر يعني، أن من شروط انعقاد الخلافة والاعلان عنها، أن تكون الجهة المُعلِنة قد حققت «التمكين» في مناطق سيطرتها؛ ليصح لها ان تعلن عن اقامة الخلافة.
اما تنظيم داعش، فانه من جهته تجاهل «تصويب» القاعدة على أهلية أهل الحل والعقد، فيما دافع منظروه عن موضوع التمكين بالقول بعدم اشتراطها مطلقاً، وان التمكين الذي هو شرط، إنما هو التمكين الجزئي، وهذا ما اعتبره متحققاً في ظروف اعلانه للخلافة، بعد سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
لكن، وبعد التطورات في العراق وسوريا، وانهزام تنظيم داعش فيهما، وخسارته للجغرافيا، فان السؤال الذي سيعيد طرح نفسه، والذي لا شك ان تنظيم «القاعدة» سيصوب عليه، هو السؤال التالي: اذا كان داعش يعتبر ان ما حققه كان كافياً لاعلان الخلافة، فأين هو اليوم بعد خسارة الجغرافيا التي كانت مرتكزاً لمقولة كفاية «التمكين الجزئي»؟؟
من البديهي، وفق الفقه السياسي، أنه ما لم يكن هناك جغرافيا ( ولو جزئية) فلا يوجد تمكين ( ولو جزئي)، وما لم يكن ثمة تمكين فلا خلافة، ومع عدم وجود خلافة فلا وجود للخليفة؛ لأن الخليفة هو رأس الدولة.
على أن تداعيات «تلاشي» الخلافة، لا تنحصر في كونها حرمت «الخليفة المفترض» من المرتكزات والعناصر المكونة «لشرعية» منصبه، بل ستتعداها الى تراجع «متوقع» في «محفزات» الاستقطاب.
صحيح أن البعض قد يجادل في ان «اندثار» الخلافة قد يؤدي الى «حركية» معاكسة قد تدفع «بالجهاديين» الى المزيد من التشدد والسعي للالتحاق بداعش، لا سيما اذا عمل داعش نفسه على التعبئة «الايديولوجية»، مركزاً على عنصر «الخذلان والتباطؤ» في نصرة «الدولة الاسلامية»، الا أن هذا النوع من التعبئة قد يؤدي الى تصاعد العمليات الامنية ضد الاطراف التي يعتبرها « داعش» السبب الرئيس في تهدم اركان «خلافته»؛ لكنه لن يكون متكافئاً مع حجم «الانهزام» و«الخيبة» التي سيشعر بها اصحاب المواقف المترددة بين «داعش» وتنظيم «القاعدة»، والتي تستهدفها عادة عمليات الاستقطاب؛ لا سيما وأن موقف القاعدة منذ أعلان «الخلافة» قد ركز على خطورة أي خطوة «ناقصة» تتعلق بموضوع الخلافة، وتداعيات فشلها على مجمل مشروع «السلفية الجهادية».
من هنا، يبدو أن خيارات «داعش» ليست واسعة. صحيح أن عمله سيتركز، في المراحل المقبلة، على العودة الى مرحلة ما كان يسمى بمرحلة «النكاية»، في أغلب مناطق تواجده، الا أن العودة الكلية الى «النكاية» ستمثل بحد ذاتها «نكاية» في الذات؛ ولذلك، فلا محيص له، بحسب ما يظهر، من البحث عن الجغرافيا، لعله يستطيع أن يسيطر على بقعة «معتبرة» يجعل منها نقطة ارتكاز للتمسك بها في اطار «تنظيراته الشرعية».
وبكلمة أخرى، سيسعى «داعش» للبحث عن خلافة ضائعة في الجغرافيا الضائعة، ليرجع «شرعية» لخليفة ليس اقل ضياعاً من الخلافة نفسها.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع