إنتهت صباح اليوم الجمعة، مهلة الإنذار للإرهابيين بالإنسحاب من جرود عرسال، وانطلقت نيران المقاومة حارقة كما لهيب “تموز” بالمدفعية والصواريخ، على تجمعات وتحصينات ما تُعرف بـ “جبهة النصرة” في ضهر الهوى، وموقع القنزح، ومرتفعات عقاب وادي الخيل، وشعبة النحلة، تزامناً مع العملية المشتركة للجيش السوري ومجاهدي المقاومة في مرتفعات الضلِّيل، وتَلَّتيّ الكرة والعلم في جرود فليطة بالقلمون الغربي، وأعلنت قيادة العمليات، أن لا وقت محدداً للعملية وهي ستتحدَّث عن نفسها، وسوف تسير وفقاً لمراحل تمّ التخطيط لها، وهي لم تأتِ مفاجئة، لأن قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله أعلن منذ أيام، أنها المرة الأخيرة التي سيتحدَّث فيها عن وجوب إنهاء الوجود الإرهابي في جرود عرسال، وكانت الكلمة كما أمر العمليات لمجاهدي المقاومة، وبدأت كتابة تاريخ مجدٍ لبنانيٍّ جديد في تموز وعلى صخور عرسال هذه المرَّة، ولا فرق في حق التحرير بين وادي الحُجير ووادي الحميِّد.

ومع بدء المقاومة كتابة صفحة جديدة من المجد في جرود عرسال، وفي شهر تموز بالذات، وبما أن لُغة النار هي للمجاهدين في الميدان، نترُك للسواعد المُباركة الكتابة على الصخور، ونقرأ من تموز 2006، نفس الظروف التي أحاطت بنا في ردع العدوان، ونستعيد ما عرضت قناة الميادين من سلسلة “تموز الحكاية” عام 2013، وتناولت حرب تموز من زاوية توثيقية، وأوجزت المجريات اليومية، والأحداث العسكرية والميدانية، إضافة الى أبرز المواقف وردود الأفعال، والأنشطة السياسية والديبلوماسية والإعلامية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وضمن تقارير “أثمان الخيبة”، استعرض البرنامج مواقفاً للقيادات العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة، وظهَّر حجم الهزيمة الإسرائيلية في الحرب، لكن التداعيات التي تم توثيقها عن الداخل الإسرائيلي المُربَك، ما بين عامي 2006 و 2013، تضاعفت منذ العام 2013 وحتى اليوم، مع فارقٍ هام، أن السنوات الأربع الأخيرة شهِدَت وظهَّرت مواقف عربية صريحة وواضحة، أن بعض العرب يتشاركون الخيبة مع إسرائيل، في كل مفصلٍ ينتصر فيه محور المقاومة إقليمياً، وبعضهم والمملكة السعودية على رأسهم باتوا يُجاهرون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويُجاهرون أيضاً بعدائهم للمقاومة ودعمهم للإرهاب، وندفع اليوم في لبنان وسوريا دماء طاهرة ثمن عمالة بعض العرب، وإن اختلفت طبيعة العدو من عنصري صهيوني عام 2006 الى إرهابي تكفيري عام 2017.

وسواء كانت الجامعة العربية تحت رعاية مصر عام 2006، أو انتقلت بعد العام 2011 الى السعودية والدول الخليجية الأخرى التي كانت تُعرف بإسم “محور الإعتدال العربي”، فإن طلاق لبنان مع جامعة عربية عاقر حصل في حرب التحرير عام 2000، وحصل أيضاً الإنفصال النهائي عن ديكتاتورية الجغرافيا مع أنظمة هكذا أمَّة ممزَّقة لوطنٍ كتب تاريخ مجده بنفسه ولا يزال، ولا قيمة لعلاقات ديبلوماسية بين لبنان ودول عربية ما راهن عليها لبنان يوماً في أية مساندة، لأنها كانت أكثر خطراً على لبنان من إسرائيل خلال حرب التحرير، وأكثر عدوانية تجاه لبنان  خلال عدوان تموز، وحقُّنا اليوم أن نستحضر تموز المبارك ليس من أجلنا نحن كلبنانيين أو سوريين فقط، بل من أجل شعبٍ فلسطيني يُنحَر كل يوم وتُنتهك مقدساته، ويُعلن دقّ النفير اليوم الجمعة، “جمعة الغضب”.

وإذا كانت صرخة الفلسطينيين لإستنهاض الهمم العربية في نجدة الأقصى، سواء التي أطلقتها حركة حماس، أو تلك التي أطلقتها المنظمات الأخرى  تدعو العرب الى التوقُّف عن “الحروب البينية” ودعم القضية الفلسطينية، وجعل يوم جمعة الغضب هذا بداية لإنتفاضة مستدامة، فإن صرختهم عبرت الأجواء العربية بلا صدى، ولم تبلغ سوى اليمن، وأكملت طريقها نحو الأجواء الإيرانية، فكانت إطلالة متلفزة للسيد عبد الملك الحوثي اختصرت كل معاني الأخوَّة والشهامة والصدق في نصرة فلسطين والأقصى، وكانت كلمة نارية أيضاً من إيران، على لسان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم السليماني في الإطار نفسه.

إننا في يوم جمعة الغضب المُشترك هذا، الموافق في الحادي والعشرين من تموز، نسمح لأنفسنا مُخاطبة الشعب الفلسطيني من أقاصي جرود عرسال الى ساحات الأقصى ونقول:
إعتمدوا على أنفسكم وعلى الشرفاء في محور المقاومة، ولا تنتظروا من عرب العمالة وعروش الطغيان سوى الكلام والطعن في الظهر، وهي فرصتكم أن تعلنوها “انتفاضة أقصى” جديدة، ولا تنسوا، أن عرب “غرفة عمَّان” كانوا على حدودكم بأمر عمليات أميركي وكانت قِبلتهم دمشق وليس القدس، ومَن لا  قلوب لديهم على أطفال فلسطين واليمن والعراق وسوريا ولبنان، لا قلوب لديهم على حجارة الأقصى وصخور عرسال ولا كرامة لديهم لكتابة التاريخ …

المصدر: أمين أبو راشد موقع المنار