أصبح النصر قدراً.. هذا ما رأيناه في وجوه من ودعنا من شهداء. بين الجموع وجوه كثيرة لشبان في ربيع العمر كانت تحدق بالنعوش ودموع الشوق تسبق الأيادي لملامستها كأنها تبكي حسرة غابطة للسابقين. كثر مثلي كانوا يخجلون من النظر في تلك الوجوه. كنا نشيح النظر عنهم خوفا من يوم سيأتي ونقول كنا قد رأيناهم يودعون شهيدا ونكتب الجملة التي أصبحت أكثر تداولا "شهيد يودع شهيداً".
بين صيحات التكبير ونثر الورود ابتسامة مجبولة بالعز رسمتها الدموع على وجه أم الشهيد التي كانت تارة تحدق في النعش وأخرى في رفاق الدرب، وكأنها تنسى كل حزنها وترى ولدها في وجوه المودعين تعاهدهم على الصبر والاحتساب والبقاء على عهد الماضين إلى جوار الله.
ثم تعود لتتأنق بالصمت وتهندم الدمع على شكل ابتسامة وتقول هذا النصر قادم من تلك الدماء. جهزوا الزغاريد ولنبدأ بتطريز ثوب النصر.
هنا فقط تشعر بمعنى "وهذه الجنة فتحت أبوابها"، وكأنها لم تعد تطيق صبرا على وصول العاشقين فتراها تسابقهم للوصول. ترى ذلك جليا في الدموع التي تسكن عيون المودعين. هنا لا احد يبكي حزنا هي مجموعة كلمات لا تقال بل تذرف. ربما هو العجز في حضرتك والصغر امام كبرك. هنا ليس بوسعك ان تفعل شيئاً سوى أن ترتمي في حضن الثرى الذي سيضمهم لعلك تحظى ببعض العز.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع