قدّم المستشار الأول في الديوان الأميري القطري عزمي بشارة، ورقة بحثية للمركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، حول اسباب الازمة الحالية بين قطر ودول الخليج وخاصة السعودية.
أسهب بشارة في سرد أسباب الأزمة من زاوية "المظلومية" القطرية، والخديعة التي تعرضت لها الإمارة الصغيرة الغنية، من قبل أشقائها الأكبر وعلى رأسهم السعودية.
وإن كانت المبررات التي ساقها بشارة فيها شيء من الصحة، إذ إن السعودية لا تكن الكثير من الود لقطر، الصغيرة المشاغبة، إلا أنه غاب عن إحاطته الكثير من التفاصيل التي تظهر تورّط الدوحة في أزمات المنطقة انطلاقاً من لعبها دور الرافعة للحرب العالمية التي تخاض ضد سوريا.
يجهد بشارة، من خلف الكواليس، في إدارة "مفهوم" المواجهة القطرية في خضم الأزمة الخليجية. وهو الذي أعلن أخيراً انسحابه من الحياة السياسية، وتفرّغه للبحث والكتابة، ظلّ متصلاُ على نحو وثيق بالديوان الأميري في الدوحة، ودوائره المتعدّدة، الإعلامية منها على وجه خصوص.
خرج أمير قطر تميم بن حمد، بالأمس، بخطابه الأول منذ اندلاع الأزمة مع الجيران. حمل الخطاب الكثير من بصمات عزمي بشارة. لا يحتاج الأمر إلى تحليل وتمحيص لاستنباط حروف بشارة من بين كلمات الخطاب. يكفي مراجعة الورقة البحثية الأخيرة له، وأدبياتها ومفرداتها، ومقارنتها بما ورد في خطاب الأمير، في خطوطه العريضة واستراتيجياته، لإدراك ما هو مؤكد.
بعيداً عن هجمة الشيطنة الخليجية التي تلاحق عزمي بشارة، فضلاً عن كل ما هو قطري الهوى والهوية، ربطاً بالأزمة الخليجية. لكن ثمة حقائق تتعلّق بالمآسي التي تشهدها بلادنا، يُراد محوها في لحظة ضَيم قطرية. يُراد تصوير الإمارة أمّاً حنوناً للخط العروبي المقاوم من بابه في فلسطين، حتى محرابه في اليمن، وما بينهما. يقف عقل بشارة خلف شاشات قطر وأقلامها. وكما انسحب هو من المشهد، يُريد سحب اسم الدوحة من كل سجل يُفتح على طول العالم العربي وعرضه.
في سوريا، لا يمكن لأي إعلان نوايا قطري بالسير في أية تسوية تقودها روسيا، نزع المآسي التي خلّفتها "مشورات" بشارة في قصر الإمارة. اليوم، شاءت الأقدار أن تحرّر المقاومة جرود عرسال من إرهاب جبهة النصرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن فصل اسم قطر وأجهزة استخباراتها "الناعمة والخشنة"، في تحضير وتوضيب وتسليح ودعم مقاتلي النصرة الذين شنّوا الغزوة تلو الأخرى ضد عرسال، بمدنييها وقواها الأمنية والعسكرية، ومنها انطلقوا الى عمق لبنان، محدثين الكثير من التفجيرات الانتحارية، التي أتت في سياق خدمة "الخط القطري" الواضح في الحرب ضد سوريا وكل القوى الداعمة لها.
المراجعة الحقّة الواجب على قطر - عبر بشارة - إجراؤها، لا تكون من خلال التنصّل بخفّة من كل الموبقات والجرائم التي ارتكبت بحق سوريا وحلفائها. وفي سبيل استجلاب التعاطف أولاً، ومن ثم الدعم لموقف قطر في مواجهة حلفائها السابقين في الاذية - السعودية وفرقتها – لا يكفي إعلان بشارة الانسحاب من الحياة السياسية، ولا يكفي الدوحة الإعلان أنها جُرّت إلى الوحول اليمنية جرّاً، خلافاً لرغبتها.
المطلوب من قطر، وأدواتها من أمثال عزمي بشارة، إحاطة شاملة تتضمّن الإقرار بكل خطة إعلامية وسياسية واستخباراتية وعسكرية، وضعتها ونفّذنها لضرب منطقتها وأهلها وأمنهم. والمطلوب من بشارة تحديداً، وضع لائحة بأسماء جيش الكتّاب والصحافيين المسترزقين، الذين عملوا معه، بإخلاص منقطع النظير للريال والدولار، على تحريض الناس وقلب الحقائق والتحريض المذهبي والطائفي والحزبي.
المطلوب أن تجري قطر مراجعة علنية شاملة، مباشرة على شاشة الجزيرة، وأن يُعلن من بيدهم الحل والربط فيها، براءتهم من كل أدواتهم في المرحلة السابقة ومحاسبتهم، وعلى رأسهم عزمي بشارة، العقل المدبّر. وعليهم بعد كل هذا انتظار موقف المتضرّرين المباشرين من أذيتهم، في سوريا ولبنان واليمن والعراق، قبل أن يتنفّسوا الصعداء.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع