احتلتنا الجرود المطهرة بالدم. اخذت قلوبنا التي توجهت اليها بكل اشكال الصلاة. خطفت انفاسنا اللاهثة خلف خطوات الابطال، التي بالدم وبالرصاص، كتبت سطرا جديدا في كتاب النصر. حاصرت نبضنا رسائلهم، وصورهم، منهم من عاد مستشهدا، ومنهم من ينتظر. وجميعهم، سكنوا قلوبنا، تصدروا حكاياتنا، رفعوا رؤوسنا نحو ارتفاع الراية، وأطرقنا عيوننا خجلا.

هنا في الضاحية، كأنك تلمح في كل العيون لمعان الشمس التي تشهد على تحرير الجرود تلة تلو تلة، فيما اضحى الارهابي المختبىء هناك "ابو مالك التلي" اضحوكة الموسم، والنكتة التي أصبحت على ألسنة الشبان في الاحياء، وعلى وسائل التواصل. بدا الجميع محتاراً في التعبير عن دعمه، بل عن رغبته بأن يؤدي ولو دورا ضئيلا في تغطية اخبار الانتصار الذي ترد اخباره مكللة بالورد. لم يسعف الدمع اجفان القلوب في تشييع الشهداء، قمرا تلو قمر. احتار ان يكون دمع فخر بانجازات خيرة شباب هذه البلاد، او دمع المواساة لأهلهم الجبارين، الذين اثبتوا كما دائما انهم استحقوا عن جدارة وصبر صفة "اشرف الناس" التي اطلقها عليهم الامين على القلوب وعلى السلاح ذات انتصار في العام ٢٠٠٦.


كثير من الحب، واكثر من مجرد تأييد ودعم، واعمق من مجرد امتنان احتل الاحاديث والكلمات والمقالات التي لم تجد في عناوينها الا كل اعتزاز بأبطال كتبوا بالدم تحرير جرود عرسال من الارهاب. التفت القلوب والعيون حول الحزب الذي صار صانع الانتصارات العظيمة، باعتراف الاعداء قبل الحلفاء، الا من لا يجرؤ على هكذا اعتراف تبعا لكونه اداة مدفوعة الثمن مسبقا فلا تملك ان تبوح بالحق، او لكونه مسكونا بضغينة مريضة وبقلة شرف واضحة المعالم. هؤلاء، تخبطوا في مستنقعات حقدهم طيلة الايام الماضية. بدوا في حالة من الهستيريا الجماعية، يكادون لا يصدقون ان كل ما انفقوه من مال ومن جهد ومن مؤامرات ومن تنازلات مقرفة من اجل كسر سلسلة القلوب التي ترى في المقاومة درعا لها، قد ذهب ادراج الرياح. تارة يعجزون عن انكار سطوع النصر فيزايدون في اعتماد مصطلح "سلاح الشرعية" المقصود به مؤسسة الجيش، متناسين ان ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة هي ثالوث الشرعية المقدس والوحيد، وتارة يذهبون في الوقاحة الى حد تجريم قتل الارهابيين، وهم بذلك ينسجمون مع انفسهم، فالارهابيون هؤلاء آيسوا اكثر من الجناح العسكري للخط السياسي الذي يعتمده هؤلاء. ابدعوا في اختلاق ما يبرر غيظهم من النصر الاتي من عرسال، فغرقوا اكثر في وحول فقدان الكرامة، وانعدام القيمة الوطنية والشعبية، ما جعلهم هم خارج اطار ما يسمى الاجماع الوطني. انفضحوا بغضبهم حتى سقطوا حتى من عيون مواليهم، الذين ادركوا بحواسهم وبقلوبهم، وبغريزة البقاء فيهم، ان ابطال المعركة يخوضونها لحماية الخصوم قبل الحلفاء، من سكاكين الذبح واسواق النخاسة.


وصلت بالبعض منهم الخساسة الى حد محاولة تظهير المعركة على انها معركة مذهبية، ولأنه طرح خسيس لم يلق صدى عند اي طفل يدرك بغريزة البقاء ان عليه ان يصدق فقط من يزيح السكين عن عنقه وليس من يموّل حامل السكين او يبرر له.
اذن، حسم الدم المعركة وانتصر. ولا يوجد في كل المعاجم كلمات تصف كيف ترقرق هذا النصر في اصوات امهات الشهداء، تلك الاصوات التي تنضح بالعز الى حدّ اغراقنا بالخجل، وبالصمت. ماذا نقول لهن مثلا؟ هل نشكرهن على تربية جيل من ابطال يردون الموت عن اطفالنا بأرواحهم؟ هل نبارك لهن هذا الوجع الذي اسمه الفراق، والافتقاد، والحنين الى الذين كبروا " كل شبر بنذر" وذهبوا في الطريق المقدس للشهادة؟ هل نعزيهن بفخرهن ام نعزي انفسنا بأننا اقل منهن بكثير، اننا لا نمتلك شجاعتهن وقدرتهن الشاهقة على الحب وعلى التضحية وعلى الايثار؟
من جرود عرسال المحررة، زيّن انتصار جديد ايامنا، وارتفعت لنا نجوم جديدة في سماوات العز، هذا العز، الذي "بحبر الدم انكتب".

المصدر: شاهد نيوز