كما عقب تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، وبعد انتصار تموز 2006، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس، ليُهدي الانتصار الذي تحقق بتحرير جرود عرسال من الاحتلال التكفيري إلى الجميع: جميع اللبنانيين وكل شعوب المنطقة التي تعاني من الإرهاب التكفيري
الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يُلقي «خطاب النصر»، وفي الخلفية مقاومون يُحققون المزيد من الانتصارات على مقاتلي تنظيم «النصرة» الإرهابيين في جرود عرسال. في أيام قليلة، تحقق «انتصار عسكري وميداني كبير جداً. وهو تحقق فعلياً في اليومين الأولين من المعركة بأقل كلفة»، قال نصرالله أمس في كلمته المتلفزة لتوصيف معركة جرود عرسال والحديث عمّا بعدها.
سبب التقدم الميداني السريع أنّ خطّة الهجوم «كانت مُحكمة ومدروسة بناءً على كلّ التجارب التي خاضها قادتنا العسكريون والمجاهدون والخبرات التي يمتلكونها»، موضحاً أنّ «المقاومة كانت هي مهاجمة». على الرغم من أنّ «عامل المفاجأة كان مفقوداً في المعركة، حيث تحدثنا عن مفاوضات وإمكانية تسويات».
كلمة نصرالله تزامنت أيضاً مع زيارة الوفد اللبناني برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لواشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اعتبر أنّ لبنان يُواجه داعش والقاعدة وحزب الله. الأمين العام قال باسماً إنّه لن يرد على تصريحات ترامب «تسهيلاً للوفد الحكومي ولعدم إحراجه. لا أريد أن أدخل في سجال أو نقاش عميق مع أحد. نحن لسنا في معركة «فش خلق»، بل في معركة مسؤولية تحصل فيها تضحيات ويصنع مصير بلد».
انطلقت معركة جرود عرسال، كما أكّد نصرالله، بهدف «إخراج المسلحين من المنطقة التي تُسيطر عليها جبهة النصرة، سواء في جرود فليطا أو جرود عرسال». أما التوقيت، فلا «علاقة له بأي تطورات إقليمية أو عربية. بدأنا نعدّ العدة للمعركة منذ الربيع، من خلال الاستطلاع والعمل. وكنا أمام خيارين للتوقيت: قبل شهر رمضان أو بعده. فاخترنا بعد شهر رمضان»، مؤكداً أنه «لا علاقة لإيران بالمعركة، ولا دمشق قررت، نحن تواصلنا مع القيادة السورية طلباً للتعاون معنا، رغم أن أوليتها هي القتال في مناطق أخرى». وأضاف: «هذا حق واضح بيّنٌ لا ريب فيه في هذه المعركة، ومن يتردد بذلك فليذهب ويسأل قرى الهرمل والقاع والفاكهة ورأس بعلبك واللبوة وقرى بعلبك ومن خلفهم كل البقاع».
المساحة التي خيضت فيها المعركة تبلغ «ما يُقارب 100 كلم مربع، كانت تُسيطر عليها جبهة النصرة. وفيها جبال عالية ووديان سحيقة وجرداء. والقتال بهذه المعركة من أصعب أنواع القتال. المسلحون تحصنوا في المنطقة». ولكن حالياً، أصبح عناصر «النصرة» خارج جرود فليطة «وانحسروا في جرود عرسال ولم يبقوا إلا في مكان ضيق ومن 3 جهات».
تحدّث نصرالله عن مجريات المعركة، مُعلناً أنّ «التقدم في الميدان في جرود عرسال مستمر، وطلبت من المجاهدين التقدم بشكل مدروس مع الاحتياط في استخدام بعض الأسلحة من أجل عدم حصول أي خطأ باتجاه النازحين والمدنيين». وفي ما يتعلق بما بقي من الجرود في رأس بعلبك والقاع التي يحتلها تنظيم داعش، فـ«نترك الحديث به إلى حينه». أما بعد انتهاء المعركة، فـ«سنقوم بتسليم كلّ الأرض والمواقع التي دخلنا إليها إلى الجيش اللبناني لكي يعود أهالي عرسال إلى أرضهم». وفي هذا الإطار، لفت نصرالله إلى أنّه «رغم ضراوة المعركة من القصف وغيره، بقيت بلدة عرسال في مأمن بفضل الجيش اللبناني، وكان هناك حرص على عدم ارتكاب أي خطأ. نحن حريصون على عرسال وأهلها». وأكد عدم السماح لأحد بالاقتراب من مخيمات النازحين أو التعرض لهم بأي سوء.
بعد خسارة الإرهابيين الميدانية وعلى صعيد العديد والعتاد، «المفاوضات بدأت جدياً، ومن يتولاها جهة رسمية تتصل بنا مباشرة وبمن بقي من مسؤولي جبهة النصرة». وقال نصرالله: «التمهل يُعطي مجالاً لاحتمال التفاوض لأننا نريد أن نأكل العنب لا قتل الناطور». وأشار إلى أنّ قادة «النصرة لم يسمعوا إلى كل النداءات التي أطلقناها من قبل وتصرفوا بعنجهية»، في حين أنّه «كان هناك تصرف عقلاني من قبل سرايا أهل الشام الذين سهّلنا لهم الانسحاب إلى مخيمات النازحين والبقاء إلى جانب عائلاتهم».
قسمٌ من «النصرة» حاول الفرار باتجاه المساحات التي يحتلها «داعش»، ولكن واجهتهم مشكلة أنّ هذا الأخير «يرفض استقبال جبهة النصرة لأنه يشترط عليهم مبايعة البغدادي». وقال نصرالله إنّ «مسلحي النصرة، فوتوا على أنفسهم فرصة قبول الوساطات». على هؤلاء «أن يعرفوا أنّ الوضع في الميدان لنا وهناك تقدم. ولكن هناك بعد عن الواقع والفرصة متاحة لكن الوقت ضيق».
وأكّد أن «خط العمليات مستمر في الليل والنهار وأمره إلى الميدان»، متمنياً «عدم وضع سقف زمني من قبل المُحبين ولسنا مستعجلين والوقت لنا وعلينا الحفاظ على دماء إخواننا ولا يجب التسرع».
لم يغب عن بال نصرالله التوجه بكلمته إلى الجيش اللبناني، «شريك وعمدة المعادلة الذهبية... يأتي الأول من آب ذكرى عيد الجيش وأتوجه لقيادته وجنوده وعوائله بالتحية والتبريك كما هو عيد للجيش العربي السوري، وأتوجه لقيادته وجنوده بالتبريك». دور الجيش في المعركة هو «تشكيل السد المنيع والحماية لأهالي المنطقة. ما قام به الجيش اللبناني في محيط عرسال وجرودها على خط التماس كان أساسياً في صنع هذا الانتصار». فبحسب نصرالله، تمكن الجيش «من تحييد عرسال عن أي إشكال، وإراحتها كان عاملاً أساسياً وحاسماً وقطع الطريق على كلّ من راهن على استخدامها في هذه المواجهة». ولفت إلى أنّ الجيش «استهدف أي تسلل من قبل المسلحين ولم تشعر النصرة بأنها في أمان من الخلف وأن المعركة فقط مع المقاومة».
في الختام، «بشّر» نصرالله اللبنانيين بأنهم «أمام انتصار كبير ومنجز وسوف يكتمل بتوفيق من الله إما بالميدان وإما بالتفاوض وستعود كلّ هذه الأرض إلى أهلها. نحن ماضون نحو تحقيق الهدف وإنجاز المهمة». حيّا نصرالله «أهمية ما حصل من إجماع حول هذه المعركة المُحقة»، مُهدياً النصر «إلى كل المسيحيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وكل المسلمين بطوائفهم ومذاهبهم. نحن في معركة الإرهاب نقوم بواجبنا ولا نتوقع الشكر من أحد وإذا جُلدنا ببعض السياط نحسبها عند الله». وأعلن أنّ «الصفحة العسكرية لوجود النصرة سوف تطوى بشكل نهائي. وهذا النصر الذي تحقق يُهديه مجاهدونا وشهداؤنا وجرحانا إلى كل اللبنانيين وكل شعوب المنطقة التي تعاني من الإرهاب التكفيري».
وقبل الغوص في تفاصيل معركة عرسال، توجّه نصرالله «من موقع المقاومين والمقاومة»، بالتحية إلى «المقدسيين. إلى المرابطين في القدس. وإلى أهل الضفة، وكل الفلسطينيين الذين تدفقوا إلى المدينة القديمة دفاعاً عن الأقصى، وليفرضوا انتصاراً جديداً. وأن يفرضوا على العدو إزالة الإجراءات الجديدة التي تريد أن تفرض سيادة العدو، بحضورهم وصلواتهم وقبضاتهم وصدورهم وصنعوا هذا النصر، وهذه تجربة جديدة من تجارب المقاومة».
أما الشُكر، فإلى «السيد عبد الملك الحوثي، الذي أعلن بوضوح وقوفه مع اليمنيين إلى جانب لبنان في أي معركة مع العدو الإسرائيلي، وهذا تأكيد لمعادلة القوة التي تريد أمتنا أن تكرّسها».