لا تتجزأ الروح ولا القناعات تتجزأ. لا يمكن تصديق من ينادي بالعداء للصهاينة ثم يتابع، همسا او جهرا، أن الموسيقى مثلا هي لغة تعلو فوق الصراعات. لا، لا شيء يعلو فوق الصراع، الا بحال الانفصام الفكري، او العمالة. والتطبيع ليس اكثر من عمالة مغلفة بشعارات بغيضة، مهما تلونت واتخذت اشكالا جذابة.
جبيل ليست مدينة منفصلة عن محيطها. دعنا من التاريخ ومما كتبه بحق هذه المدينة الابية. جبيل ارض تعرف، كسائر الارض العربية، ان العدو الصهيوني هو عدوها. جبيل ناس لم يفقدوا البوصلة. جبيل قلب يعتصر نبضه الان حزنا واعتذارا عما يفعله السفهاء. مهرجانات "التطبيع" ليست بريئة كما يدعي بسيط هنا او متعامل هناك. وفي اختبار الوطنية، البسيط الذي لا يدرك خطورة ما يفعل هو تماما كالعميل الذي يتقاضى اجر افعاله. وجبيل، الارض والناس، برآء من هؤلاء.
في الوقت الذي يرتفع لنا في سماء الشهادة اقمار، في الوقت الذي ما زالت جرود عرسال تفوح بدمنا الذي قاوم اليد الصهيونية المسماة جبهة النصرة وانتصر. في الوقت الذي ترفع فلسطين سيف المقاومة موقفا وهتافا ودما وشهادة بوجه الصهيوني المدجج بسلاحه وبحقده، في الوقت الذي تنهمر صواريخ ال سعود الصهاينة فوق اطفالنا في اليمن، وينتصب الخنجر اليمني للحق يقاتل، في الوقت الذي نحتار فيه كيف بامكاننا التعبير عن تماسكنا واتحادنا بوجه العدو في كل ساحات الصراع، يأتيك سفهاء مدججون بالوقاحة ويمارسون التطبيع مع العدو الصهيوني على شكل مهرجان! وقد تجد حول هؤلاء جمعاً من ناس لا يدرون ماذا يفعلون. وعدم الدراية ذنب لن يزيله اعتذار ولن يغفره التاريخ..
يقول منظمو المهرجان ان الهدف منه هو مد جسور اتحاد بين الشعوب! من قال ان بيننا وبين الاعداء جسورا يجب ان تمتد؟ الطفل فينا قبل الراشد يعي ان هذا الصراع هو صراع وجود. ورثناه وسنورّثه الى حين زوال "اسرائيل" وكل خلاياها من جسد ارضنا! هذا الجسد الذي يقاوم والذي يقدم خيرة ابنائه في سبيل ازالة هذا العدو، اليس عيبا يصل الى حد الخطيئة ان يستقبل ولو ليوم واحد فعاليات تطبيعية حقيرة حد النتانة؟ عن اي جسور يتحدثون ودمنا النازف ما زال ساخنا ينتفض بالنبض وبالسلاح في كل شبر يقاوم؟ جسور مع الصهاينة، مع اعوانهم، مع حلفائهم؟ من يسعى لجسور كهذه فليذهب الى ارض اخرى. فليعش قناعاته المتسخة بعيدا عن طهر احرارنا. فليجد له جسرا جويا او بحريا يسلكه بعيدا عن قدسية بلادنا المعمدة بالدم وبأرواح "الغوالي".
لسنا جميعا خبراء في القانون لكننا نعلم ان هذه المشاركة بالبث المباشر مع الكيان الصهيوني أو من دونه هي خيانة موصوفة وتطبيع وقح، ولسنا جميعا جهابذة بالسياسة لكننا نعرف ان من سهل هذه المشاركة انما يقدم للعدو خدمة اظهاره "مقبولا" في مجتمع نصفه على الاقل من المقاومين، بالفعل وبالقلب. لسنا ايضا خبراء اقتصاد او سياحة لكننا نعرف ان "الضحك عالناس" بحجة ان هذا المهرجان سيرفع اسم لبنان عاليا ويستجلب السياح هو محض ادعاءات واهية. ما يرفع اسم لينان عاليا هو دم شهدائه الذي ازهر تحريرا عام ٢٠٠٠ واثمر انتصارا عام ٢٠٠٦ وتفتّح وردا في جرود عرسال التي تحررت منذ ايام. ما يجعل لبنان بالفعل وجهة للسياح هو الامان الذي صنعه السلاح، السلاح المقاوم، وتلازم الجيش والشعب والمقاومة، سواء اعجب ذلك جمع "المطبعين" او اغضبهم.
كلمة اخيرة الى من "لا يدرون ماذا يفعلون". مهرجان تومورولند مهرجان تطبيعي. لا تصدقوهم ان قالوا لكم ان المهرجان موسيقي بحت والموسيقى حالة انسانية. فلا انسانية مع العدو. ولا تصدقوهم ان قالوا ان مشاركة لبنان من جبيل هي لصالح لبنان، فهم يحاولون بالتطبيع المقنّع تغطية انكسارات العدو وهزيمته وعدم قدرته على اختراق بيئتنا. اما لمن يدرون ماذا يفعلون، فالتاريخ بيننا وبينكم، والبحر امامكم، اتخذوه جسرا، وانصرفوا. فهذي الارض قد شربت ما يكفي من دمنا لتصبح ارضنا، ارضنا فقط.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع