من الواضح والجلي في مكان ما ان ارهاصات الحرب التي نعيش ويلاتها هي حرب الغرب على الشرق، ولكن لا يمكن حصر مسؤوليتها فقط في مفهوم تطور الغرب بشن الحروب دون الالتفات الى مكامن الضعف التي تعاني منها المجموعات الاجتماعية ذات التوزع الجغرافي. بل من الضرورة في مكان ان نسلط الضوء على التناقضات التي زرعت في المنطقة سواء كانت اجتماعية، أو سياسية، او قانونية وتأثيرها في خلق جيل منقسم على ذاته، يبدأ بالتعصب للقومية الاثنية، التعصب للمذهبية الدينية، التواق الى الليبرالية، الى الاشتراكية. كل هذه التناقضات التي زرعها الغرب في الشرق، كانت مصقولة بالرعاية من اجل التوازن فيما بينها لعدم وصول احداها الى التحكم في المشهد الكلي.
 لننظر عن كثب الى الحرب الاهلية اللبنانية، حرب الوحدة في اليمن، ازمة الهوية العراقية، هذه الاحداث التي ارخت بظلالها على مشهد الشرق ما قبل سقوط جدار برلين، كان لا بد من دراستها بعناية ومقاربتها بشكل علمي مع تجربة انطلقت من حيثيات العودة الى الشرق ونجحت نجاحا باهرا من حيث توحيد المظهر الفكري العابر للقوميات وتجانس الباطن الديني الحاكم للثوابت والمسلمات، وهي التجربة الايرانية. ومن اجل الا نذهب في تصوير المشهد  وتوصيفه بالاسلامي المحض، ينبغي ان نقارب نجاحه لقياس الامر على مجمل التشعبات الدينية والاثنية في الجغرافيا الايرانية، وانبثاق الحركة التنويرية الى افاق الشعوب في المنطقة. لهذا ينبغي القول ان من اسباب نجاح الغرب في حروبه على الشرق، انغماس المثقفين والاكاديميين وحتى النخبة الطبقية في استقاء التجارب الاوروبية دون الالتفات الى مكونات العصر الذهبي الشرقي والذي رفع مستوى اوروبا بعد سقوط الاندلس.
 على الجميع ان يعي مدى قدرة الارث الاسلامي والمسيحي المشرقي على حل اعقد سمات القضايا التي يعاني منها المجتمع. وعلى القادرين الجدد تكييف المناهج التربوية والتعليمية لانجاب اجيال جوهر انتسابها الى الادب والفلسفة والسياسة والاجتماع، أجيال ذات منبع مشرقي مع مراعاة التعرف الى النظريات الغربية دون الانتساب لها. فهذه الطريقة تمكن الشرق من التطهر والتعافي من اثار العناصر الغربية المدمرة للمجتمع .

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع