ليست ذكرى فَحَسْب، بل إنّها الحقّ الّذي سيُستَرجَع بالإرادة والعزم. فلسطين حيّةٌ في ضمير طلّاب الحقّ والعدل، فالحقّ لا يموت مهما طال الزّمن، والغاصب مدحورٌ لا محالة .
فلسطين أبيّة، وشرفُها يأبى أن تبقى مستباحةً في أيدي معتدين زعموا السّلام وليس في قاموسهم إلّا الدّم، فأيُّ سلام؟
“هذا الاغتصاب الكبير الّذي رافقته في بداياته عمليّات تقتيلٍ جماعيّة للنّاس العُزّل في المدن والقرى وتهجيرهم من بيوتهم وديارهم إلى البلدان المجاورة، تواصَل طوال أكثر من ستّة عقود على الوتيرة نفسها من الجرائم، ولا يزال مستمرّاً اليوم أيضاً، هذه إحدى أهمّ قضايا المجتمع الإنسانيّ”. الإمام القائد (دام ظلّه).
إنّهم لا يمنحون السّلام بل يريدون منّا الاستسلام، طاعةً وتذلّلاً لأوامرهم، فالجراثيم مهما تبدّل شكلها الخارجيّ لِيوحي باللّطافة والأمان فإنّها تبقى مصدراً للفساد والإفساد، هكذا هو كيانهم الغاصب، حقدٌ وأنانيّة واستكبار، حتّى أضحت قلوبهم بقسوةِ الحجارة بل أكثر .فكيف لنا بعد كلّ ما رأيناه من همجيّتهم ووحشيّتهم، الاطمئنان إلى سلامهم المزعوم؟
إنّ كلّ غاصبٍ مستكبرٍ لا يمكن أن يكون مُسالماً إلّا أن يُعيد الحقَّ إلى أهله ويُخرِج أنانيّته من ذاته، فالتّعايش مع الذلّ وقبول الخنوع، ليس من جبلّة البشر ولا من الطّبيعة الإنسانيّة، لأنّ في هذا ظلماً للنّفس وظلماً لكلّ البشر. هذه هي الحريّة، عندما نتحرّر من الظّلم ويكون كلّ إنسانٍ، انطلاقاً من قدراته وموقعيّته، مساهماً في تعزيز الأمن والعدل والسّلام والرّقيّ في المجتمع.
"إسرائيل" اليوم ومن خلفها الدّعم الأمريكيّ لا تريد لا أمناً ولا سلاماً، بل مستعمراتٍ تابعةً لنفوذها. هذه حريّتهم الّتي يتغنَّون بها، وهذه هي الدّيمقراطيّة الّتي يريدون لمفاهيمها الجهنّميّة أن ترسخ في عقول الشّعوب المستضعفة، لِتبقى لهم ريادة التّطوّر ومقامات الإجلال والعظمة دون أيّ أحد، كما فرعون الّذي استعلى واستكبر، فكان للتّاريخ حقّه، بأن يروي قصّةَ غَرَقِه مع كلّ جبروته، وهنا العِبرة ...
يقول سماحة القائد (دام ظلّه):“ الكيان الصّهيونيّ الّذي أطلق الحروب الكارثيّة، وقتل النّاس، واحتلّ الأراضي العربيّة، ونظّم إرهاب الدّولة في المنطقة والعالم، وراح يمارس الإرهاب والاغتيالات والحروب والشّرور لعشرات الأعوام، يُسمّي أبناء الشّعب الفلسطينيّ الثّائر المناضل من أجل إحقاق حقوقه إرهابييّن، والشّبكات الإعلاميّة التّابعة للصّهيونيّة والكثير من وسائل الإعلام الغربيّة والمرتزقة تكرّر هذه الكذبة الكبرى، ساحقةً بذلك التزامها الأخلاقيّ والإعلاميّ “.
نعم، هذه هي طبيعة هذا الكيان، كالغدّة السرطانيّة، لا يمكن أن يكون معه سلام. شعب فلسطين، شعب الحياة وشعب القوّة والصّمود، ورغم كلّ الحصار، لم يستسلم هذا الشّعب، ولم يَستَنسِخ فِكرَهم عن السّلام كما كثيرٌ من دول العالم العربيّ، للأسف، حيث شَرَوا أنفسهم بالأدنى، وهم يملكون كلّ الوسائل الماديّة الّتي تكفيهم لسحق اسرائيل، إلّا أنّهم يفتقدون الشّجاعة والجرأة والإيمان بالذّات وبالقضيّة، انجرّوا وانخدعوا بظاهر القوّة الصّهيوأمريكيّة وجَبُنَت النّفوس، فلم تعُد تنفع كلّ تلك القدرات، في حين أنّ حركات المقاومة الّتي لا تملك من القوّة ربع ما يملكونه، استطاعت أن تَخلُق توازناً للرّعب والآتي أعظم .
يقول سماحة القائد (دام ظلّه): “ ما نقوله هو إنّ فلسطين للفلسطينييّن والاستمرار في احتلالها ظلمٌ كبيرٌ لا يُطاق، وخطرٌ أساسيٌّ على السّلام والأمن العالمييّن. كلّ السُّبل الّتي اقترحها وسار فيها الغربيّون وأتباعهم لـ'حلّ القضيّة الفلسطينيّة ' خاطئة وغير ناجحة وكذلك سيكون الأمر في المستقبل أيضاً”.
لقد أشعلت أمريكا الفتن هنا وهناك، وقلّما نجِدُ دولةً بل ربّما لا نجد دولةً قد سَلِمَت من شرارة استكبارها، فبات الشّتات والانشغال بأزمات الدّاخل ينأى بكلّ دولةٍ عن محيطها وما يُخطَّط لمستقبل المنطقة ككلّ، حتّى ينسى العرب فلسطين وحقّ العودة، بل وأيضاً كي يمنحوا بأنفسهم صكّ البراءة للكيان الغاصب ويقرّوا بشرعيّته بدل إدانته ومحاربته.
أينما وُجِدَ الإباء كانت مقاومة، وأينما وُجِدَت مقاومةٌ حلّ النّصر والعزّة، لَرُبّما ملايين النّفط تلك لا تكفي حتّى لشراء الإباء لهؤلاء العرب وأشباههم .
لن تعود فلسطين إلّا بالمقاومة، والمقاومة دِرعُ فخرٍ لا يليق إلّا بأسود ِ النّهار الّذين أعاروا الله جماجمهم، فلم يهابوا الموت وأضحى في سبيل الله كلّ المنى. هذا الدّرع لا يليق بجبانٍ حريصٍ على شهواته وذلّ العيش مع أقرانه، ولا يليق بمرتزقةٍ باعوا الإنسانيّة برشوة الجاه والمال حتّى بات لديهم قلمٌ يخطّون به لوائحهم للإرهاب بدل رسائل الشّكر والامتنان للدّم والتّضحيات الّتي تُبذَل في سبيل الحقّ ودفع الظّلم .
لسماحة القائد (دام ظلّه) نصيحةٌ يُقدّمها :“ أودّ هنا أن أُقدّم نصيحةً خيّرةً للسّاسة الأميركييّن، دوماً كمدافعين عن الكيان الصّهيونيّ وداعمين له، لقد سبّب لكم هذا الكيان إلى الآن الكثير من المتاعب، وجعلكم وجهاً كريهاً بين شعوب المنطقة، وشريكاً لجرائم الصّهاينة الغاصبين في أعين هذه الشّعوب. والتّكاليف الماديّة والمعنويّة الّتي فُرِضَت على الحكومة والشّعب في أميركا طوال هذه الأعوام المتمادية تكاليف باهظة، واذا استمرّ هذا النّهج في المستقبل فمن المحتمل أن تكون التّكاليف الّتي تتحمّلونها أكبر “.
استفيدوا أنتم يا حكّام العرب ومَن يحذو حَذوَكم من نصيحة القائد (دام ظلّه) وعودوا إلى رشدكم، وقِفوا يداً واحدةً في وجه الإرهاب الغاصب غير الشّرعيّ الّذي يستبيح حُرُماتنا ومقدّساتنا، فالنّدم لن يُجديكم نفعاً بعد حين، والنّصر لا ينالُه إلّا الشّرفاء والمضحّون .
فلسطين ليست لَقطَةً يتبارز الطّامعون في نيلها، إنّما فلسطين هويّةٌ مقدّسةٌ حقّها العودة إلى مالكيها، فَشَرفُ القدس يأبى أن تتحرّر إلّا على أيدي المؤمنين .
{كلام القائد (دام ظلّه) مقتَبَس من كتاب خطاب الولي، في خطاب لسماحته مترجم إلى العربيّة، في مراسم افتتاح قمّة دول عدم الانحياز بتاريخ :٣٠-٨-٢0١٢}
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع