ثم غادروا أذلّاء سالمين. اصطحبوا معهم هزيمتهم وفتات طعام وقلوبا مريضة صرّحت انها سترافقهم الى ادلب، حيث ستكون مقبرتهمعاجلاً او آجلاً، لا يهم.
انسحبوا ملثمين تحت رايات ظنوا انهم، بحقدهم، سيتمكنون يوما من تنكيسها، فما نكسوا الا رؤوسهم، ورؤوس اسيادهم، ومضوا كما أتوا، عراة من الكرامة، مجردين من الشرف، اكثر حقارة واكثر رخصًا واكثر انفضاحا بالسفالة، هم ومن صفّق يوما لجرائمهم، هم ومن عوّل عليهم في السياسة وبالأمن، هم ومن موّل شرّهم منذ اول عبوّة حتى المعركة التي ما اجادوا فيها الا تمزيق ثيابهم البيضاء ورفعها رايات استسلام، وخيبة.
ذلك فصل من حرب، حرب طالت وطال وجعها، كشفت وجوهاً كثيرة، وكشفت زيف اقلام وعقول لطالما حاضرت بالعفة الوطنية.
ولم تنته بعد. لم ينته سيل الحب الذي اسمه شهداء، ولم تجف بعد منابع الارهاب التي لم تيأس من الهزائم المتتالية وما زالت تسعى سعيها ليكون لها ولأربابها موطىء عمالة وارتهان في ارض اشتهرت في سائر بلاد الكون بأنها ارض الحرية الولّادة البهية. خسر الارهاب بوجهه السعودي في اليمن، وفي فلسطين التي تواجه الوجه الصهيوني للارهاب اصبح الارهابيون المستوطنون يتحسسون رؤوسهم واجسادهم كلما مروا في طريق، وفي العراق الذي لفظ داعشهم ذات يقين بانتصار اسمه الحشد الشعبي، وفي سوريا ولبنان حين واجه رجال الشمس في حزب الله والجيش اللبناني وبواسل الجيش العربي السوري السيف الارهابي بالارواح المسلحة بثقافة الحياة والثقافة الوطنية.
غادروا اليوم ولا ننكر ان غصّة علقت في حناجرنا لأنهم غادروا احياء. الا ان عناصر عديدة تجعلنا اعلى من الرغبة بالانتقام، لعل ابرزها ثقتنا غير المحدودة بالامين المؤتمن على الارواح السيد حسن نصر الله وبحزب الله الذي يدير المعركة ونتائجها، ويقيننا الجميل بأن النصر لا يعني بالضرورة تصفية العدو فإذلاله وتحصيل مكاسب استراتيجية وبعيدة المدى يبقى اكثر جدوى من القتل، لا سيما اننا ندرك ان هؤلاء الارهابيين هم مجرد ادوات يحركها مشغّل وان حربنا لن تنتهي الا باقتطاع رأس الافعى وليس اذيالها.
وضوح المعركة ووضوح اطرافها لم يمنع عددا من مدعي الانسانية العملاء من اظهار التعاطف السافر والوقح مع القتلة المجرمين. هؤلاء بدوا غارقين حتى آذانهم في مستنقع العمالة الآسن، فاصطفوا يختلقون الحجج لادانة قتال الارهابيين ومنعهم من التمادي اكثر والعبث بأمننا. بعضهم زايد في حب الجيش محاولا اختراع اسفين يدقه في منظومة الجيش_المقاومة. هذا البعض بدا غبيا حد ادهاشنا بحقارته. اما البعض الاخر، فاتخذ من حقده على حزب الله الذي هزم الصهاينة ذريعة للتسويق لمظلومية ما تطال هؤلاء الارهابيين. وحين عجزوا، هربوا باتجاه "مخيمات النازحين"، تماما كما فعل المسلحون الارهابيون وقائدهم ابو مالك التلة الذي غدا اضحوكة الموسم. فصاروا يبحثون عن نازح واحد يصورونه مظلوما او ذي حقوق منتهكة ولم يجدوا. حتى كانت المفاجأة بأن هؤلاء "المدنيين الابرياء" التحقوا بالمسلحين في باصات الذل وغادروا معهم، حين فقدوا الامل بأن زرعهم الارهابي سيزهر في الجرود، تلك الجرود التي لا أنها شك اصيلة لتحفظ اسماء الابطال الذين عبروها مقاتلين منتصرين، ووفية لتردد صدى اصوات من استشهدوا دفاعا عنها، ومخلصة كي تلفظ كل خطوة تعيدها الى زمن الارهاب، ولو زارها ابله من هنا او جبان من هناك وحاول استثمار النصر الذي صنعه الرجال بعد ان انفضح بفشله في استثمار اي مشروع، حتى تلك المشاريع التجارية التي لا تتطلب اكثر من قليل من الحكمة وحسن الادارة.
اما جوقة الآذاريين فبدت في حال من الارتباك والذهول الى حد النشاز وعدم التنسيق بين افرادها الذين عجزوا حتى عن افتعال موقف وطني. احدهم خرج يصرح ان هذه الجرود ارض سورية فيما آخر يطالب حزب الله بالانسحاب منها بعد ان حررها وثالث يدعو العرساليين الى استعادة اراضيهم. فيما تنطح احدهم، وقد نسي "ناضوره" في مكان ما معلنا انه سيقوم باستجواب وزارة الدفاع بشأن ما حصل في جرود عرسال. على كل حال، هؤلاء جميعا لا عتب عليهم، الذي اكتسب بالجينات وبالدم القدرة الوقحة على النحيب والاستنفار في كل مرة ينهزم فيها الصهيوني. ومن شابه اباه، او عمه، ما ظلم!
غادر المسلحون مخزيين مدججين بالخيبة، وربما، لولا امل المتعاطفين معهم بايجاد فرصة اخرى لدخول الارهاب الى لبنان، لرأينا طابورا مكتظا من اعلاميين وساسة يحتشدون في تلك الباصات، ويا ليتهم فعلوا!
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع