شارك الرئيس نبيه برّي الجمهورية الإسلامية احتفاليتها في مناسبة أداء الرئيس حسن روحاني قسم الرئاسة لولايته الجديدة، ممثّلاً للبنان. تقدير إيراني لقوة لبنان وانتصاره في معركة الجرود ودور بري السياسي، هي أبرز عناوين الزيارة. إلّا أن بري اختار طهران ليطلق جملة مواقف تحضّ اللبنانيين على إعادة وصل ما انقطع مع سوري.

شمس العصر تخيّم ضوءاً ساحراً على أبنية طهران المرتّبة والمكتظة. يبدو شارع «ولي عصر» من شباك الطائرة الصغير خيطاً طويلاً يخترق المدينة من جنوبها إلى جبالها الشمالية، ويزداد ضخامة كلّما اقتربت الأرض وحان موعد الهبوط. هناك على أرض مطار مهرأباد، سجّاد أحمر طويل فُرش لاستقبال الرئيس نبيه برّي في زيارة رسمية، عنوانها المشاركة في جلسة قسم الرئيس حسن روحاني أمام مجلس الشورى لولايته الجديدة. لكنّ الرحلة إلى عاصمة الجمهورية الإسلامية، تمرّ أولاً برئيس مجلس الشورى السّيد علي لاريجاني، جامع الدبلوماسية وقوّة الموقف معاً.

وكأن لاريجاني في بيروت، يتابع معركة جرود عرسال عن قرب. يرحّب بنظيره اللبناني ترحيب «المعرفة» الحارة، ثم يبدأ من معركة المقاومة ضد الإرهاب في جرود عرسال. ببرودة متجليّة على وجهه ويديه، يقدم لاريجاني مداخلة عامّة عن النظرة الإيرانية لتطوّرات المنطقة، واضعاً انتصار لبنان على الإرهاب ضمن تطوّرات المشهد العام لهزيمة «داعش» و«القاعدة» في سوريا والعراق. بالنسبة إليه، التطوّرات تجنح نحو «الأفضل» لمصلحة محور المقاومة، مثمّناً الدور اللبناني، بشقّيه الرسمي والشعبي، مؤكّداً أن «لبنان بات قويّاً». ومع تفاؤله، لا ينسى لاريجاني أن يمرّ على العقوبات الأميركية الجديدة على إيران وروسيا، مؤكّداً أنها «تزعجنا نحن والروس، لكن لن تؤثّر على قوتنا ومواقفنا، ولا في مسار المفاوضات حول سوريا». ومع أن «الإرهاب مشكلة لكلّ الدول»، يذكر رئيس مجلس الشورى أن «هناك دولاً إقليمية لا تزال تدعم الإرهاب». ويضيف بضع معلومات عن نمو «داعش» بنسبة 30% في الآونة الأخيرة في أفغانستان، ملمّحاً إلى أن الدول الداعمة للإرهاب لا تزال تعوّل على التنظيم الإرهابي في بقع أخرى من العالم بعد هزيمته في سوريا والعراق ولبنان.

يرمي لاريجاني خلاصته بين يدي برّي. ثم يفرد رئيس المجلس النيابي مساحة لأهمية انتصار جرود عرسال، وللمعركة المنتظرة من الجيش اللبناني لتطهير جرود راس بعلبك والقاع من داعش. ويربط برّي ربطاً قاطعاً بين انتصار آب 2006 والمعركة الحالية، متمنيّاً أن يكون 14 آب موعداً للانتصار على داعش بعد إسرائيل قبل عقدٍ من الزمن. غير أن حديث المعركة أمام لاريجاني، يكشف كم بات يصرّ برّي على ترميم العلاقة مع سوريا. ويشرح للاريجاني كيف أن «السياسة في بيروت مثل قيادة السيارات، من دون قاعدة»، ويعطي مثالاً على ذلك تعنّت بعض اللبنانيين لعدم التواصل مع سوريا: «لدينا سفير ولديهم سفير عندنا، نتواصل على المستوى الدبلوماسي والوزارات، ولدينا حوالي مليون ونصف مليون نازح من إخوتنا السوريين، والسوريون أكثر من مرّة سهلوا للبنان مسألة تصدير الفاكهة بعد أن تواصلت معهم، والآن ستفتح معركة مشتركة في منطقة مشتركة محتلة من داعش، ومع ذلك يقول البعض: لا نريد الحديث مع سوريا». ويجزم رئيس المجلس: التنسيق مع سوريا مصلحة لبنان أوّلاً، ولا يمكن أن يعمل الجيشان من دون تنسيق حقيقي في معركة واحدة، وليس عبر أطراف سياسية، بل عبر علاقة رسمية، لأن سوريا من الطبيعي أن تتقدم لتحرير أرضها حالما يبدأ الجيش اللبناني معركته، وقذيفة خاطئة من هنا أو هناك قد تعقّد الوضع. يجب أن نعمل مصلحتنا بصرف النظر عن مواقف البعض». ومع أن بري متفاءل تفاؤل لاريجاني، إلّا أنه يعيد على مسامع نظيره الإيراني قلقه من مخطط تقسيم المنطقة، من العراق إلى سوريا، خصوصاً في ظل الصراع السياسي الذي يكبر في العراق، والاتفاقات المبهمة في سوريا، كذلك جنوح الكرد نحو الاستفتاء و«تثبيت إقليم كردي بالتوازي مع الكيان اليهودي». ويعود بري إلى ما كتبه رئيس وزراء كيان العدو السابق شمعون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد». وباختصار، يضيف لاريجاني بأن إيران وروسيا يعملان جهدهما للبحث عن حلول سياسية، مثمّناً اجتماعات آستانا لأنه «في جنيف لم يكن هناك أي شيء، ونحن ندعم التقدم خطوة خطوة، ونتمنى أن تتحسن الظروف أكثر في المرحلة المقبلة».

«نصف» الأمم المتحدة

في طريق الخروج من مقرّ مجلس الشورى، تظهر الإجراءات الأمنية المشدّدة. المبنى الضخم، كان قبل أقلّ من شهرين عرضة لهجوم إرهابي، اتهم الإيرانيون السعودية وقتها بالوقوف وراءه. إلّا أن الاجراءات مضاعفة، فغداً سيستضيف المقرّ جلسة القسم، ومئات الرسميين والدبلوماسيين الآتين إلى طهران للمشاركة في احتفال تنصيب روحاني. في فندق «اسبيناز بالاس» الجديد في شمال طهران المرتفع، تجد كل صنوف البشر، من آسيويين وروس وأوروبيون وعرب وأميركيين جنوبيين وأفارقة حضروا لأجل المناسبة، وحدهم الأميركيون غائبون. لاحقاً، يقول وزير الخارجية جواد ظريف إن «مخطط أميركا لعزل إيران يتحوّل إلى عزلة لأميركا»، ويردّ برّي بأن «نصف الأمم المتّحدة حاضرة في إيران، من أين تأتي العزلة؟!». في الفندق يرتاح برّي قليلاً من تعب المسافات، وعلى العشاء يعيد التشديد أمام الحاضرين على ضرورة ترميم العلاقة مع سوريا. يقول إن البعض في لبنان «لم يفهم مدى ارتباط مصلحة البلدين»، ويذكّر بأن «الأوروبيين ينسّقون مع سوريا لمصلحتهم، ونحن حدودنا الوحيدة مع سوريا وفلسطين وهم يريدون أن لا يقتنعوا». يبتسم الرئيس ابتسامة من يملك خطّة، «سنشتري الكهرباء من سوريا التي لم تؤثّر في قدراتها سبع سنوات حرب، وأنا أبلغكم بأن الوزير غازي زعيتر دعا نظيره السوري لزيارة لبنان والمشاركة في نشاط لوزارة الزراعة».

روحاني: الشعب الإيراني لا يؤتى بالقوّة

أول من أمس (السبت) كان يوماً كبيراً في طهران. تتهيّأ الجمهورية للاحتفال بتنصيب روحاني، وفي نفس اليوم تعطّل المدينة بمناسبة عيد ميلاد الإمام الرضا. تشاء الصدف أن يتوسّط بري العراق وسوريا في قاعة مجلس الشورى الإيراني: على يمينه رئيس الحكومة السورية عماد خميس، وعلى يساره السيد عمار الحكيم. في القاعة ما لا يقلّ عن ألفي حاضر، رؤساء دول ووزراء خارجية ودبلوماسيون ومئات الصحافيين الإيرانيين والأجانب. حتى إن الاحتفالية جمعت أعداءً، مثل الكوريين الجنوبيين والكوريين الشماليين. يمسك روحاني القرآن الكريم بين يديه، ويحلف قسم الرئاسة أمام كبار المسؤولين الإيرانيين والضيوف. منطق خطابه لا يختلف عن فلسفة خطاباته المعتادة: تمسّك بالثوابت الإيرانية، مع دبلوماسية تختلف عن خطابات القادة الإيرانيين الآخرين، فتميل نحو الرغبة في السلام واستقرار المنطقة. لكنّه يردّ على العقوبات الأميركية هذه المرة، مقرّعاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب من دون أن يسمّيه. ويقول روحاني، إن «إيران متمسّكة بالاتفاق النووي، وهذا اتفاق دولي كبير، نحن نحترم الاتفاق ولن نكون البادئين بنقضه». وفي خطابه المقتضب، وحده موقفه من أن «الشعب الإيراني لا يؤتى بالقوّة»، ينال تصفيقاً حاراً.
وليس صدفة أن يختار روحاني لقاءه الرسمي الأوّل كرئيس للجمهورية مع رئيس المجلس النيابي اللبناني. ثلاثة أرباع الساعة من اللقاء صباح أمس، لم يخرج منها إلى الإعلام سوى مواقف رسمية عامة حول دعم إيران وتقديرها لصمود الشعب اللبناني وانتصاره على الإرهاب في معركة عرسال. واللقاء مع روحاني، تبعه لقاء آخر مع وزير الخارجية جواد ظريف. وعلى قدر ما تعني معركة عرسال اللبنانيين، بدا كلام روحاني وظريف وقبلهما لاريجاني حولها، مؤشّراً على قوّة لبنان في نظر الإيرانيين بعد هذا الإنجاز. تفاصيل لقاء وزير الخارجية «سريّة أيضاً». إلّا أن ظريف في الفقرة العلنية من اللقاء، أكد تقدير إيران لدور برّي في الداخل اللبناني، طالباً من رئيس المجلس عرض رؤيته لتطورات المنطقة، ونظرته لآلية الخروج من أزمات محتملة في المستقبل، ولا سيّما في العراق. وكعادة رئيس المجلس، يطعّم آراءه السياسية بالأمثلة الشعبية وروح النكتة الخفيفة. وحين أبدى دعمه لإيران في وجه العقوبات الأميركية، قال إنه لن يزايد على الموقف الإيراني الصلب، و«لن أبيع الماء في حارة السّقايين»، شارحاً للمترجم مغزى العبارة، لينقلها بدوره إلى ظريف.
بيروت هي الوجهة التالية. في جعبة برّي دعم إيراني وتقدير لقوّة لبنان ولدوره الشخصي في الداخل اللبناني. وفي عقل الرئيس إصرارٌ على استثمار فرصة معارك جرود السلسلة الشرقية لإعادة وصل ما انقطع مع سوريا، كما تحتّم الجغرافيا والت

المصدر: الاخبار - فراس الشوفي