لا جديد في تصريحات المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، قياساً بما صدر عنها من مواقف في الأشهر الماضية، بتشديدها على ضرورة تعديل تفويض مهمة القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان، اليونيفيل. البيان الصادر عنها أمس، تكرار لمواقف سابقة، تهدف إلى الاستجابة للمطلب الإسرائيلي الدائم: الدفع نحو المواجهة المباشرة بين اليونيفيل والمقاومة.
إلا أن الجديد في تصريحات هالي، أنها جاءت رداً على رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، التي أرسلها إلى أعضاء مجلس الأمن، يعلمهم فيها أنه ينوي البحث عن سبل تعزيز جهود اليونيفيل في ما يتعلق بـ«الوجود غير الشرعي» لأفراد مسلحين، وأسلحة، وبنية تحتية (عسكرية) ضمن منطقة عمليات القوة الدولية في الجنوب اللبناني.
بحسب هالي، ستطلب الولايات المتحدة من مجلس الأمن، خلال جلسة مناقشة تمديد ولاية اليونيفيل عاماً إضافياً (31 آب الحالي)، «ضرورة أن تتحمل (اليونيفيل) المهمة الملقاة على عاتقها، والتحقيق في خروق حزب الله في منطقة عملياتها»، مضيفة أن الولايات المتحدة «تشارك الأمين العام رغبته القوية الساعية إلى تحسين جهود اليونيفيل لمنع انتشار السلاح غير الشرعي في جنوب لبنان، الموجود في حوزة إرهابيي حزب الله، والذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها».
معنى ذلك، أن الطلب الإسرائيلي «المرفوع» إليها خلال زيارتها الأخيرة لإسرائيل، والتشديد (الإسرائيلي) على ضرورة تغيير قواعد الاشتباك وتعديل تفويض القوة الدولية، قد وضع بالفعل على السكة، عبر دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى تبني مقدمات مسار التعديل. ما تقدّم يشير إلى أن جلسة المناقشة أواخر الشهر الحالي، ستكون مغايرة، أو في حد أدنى تريدها إسرائيل والولايات المتحدة أن تكون مغايرة، عن الجلسات السابقة، التي أقر مجلس الأمن فيها بصورة تلقائية، ومن دون أي سجال، تمديد ولاية اليونيفيل بلا أي تعديل لأي بند من بنود القرار 1701 وآلية تنفيذه. وهذه الآلية مستقرة منذ 11 عاماً، وتهدف إلى مساعدة الجيش اللبناني على فرض سيادته على منطقة جنوب الليطاني، بطلب منه.
يتضح من رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، ومن التصريحات التي سبقتها إسرائيلياً وأميركياً، أن تعديل تفويض اليونيفيل، هي نقطة السجال المقبل في جلسة التمديد للقوة الدولية، أواخر الشهر الجاري. بحسب هالي، خلال زيارتها الأخيرة لإسرائيل: «إما أن تحقق اليونيفيل الهدف، وهو مواجهة حزب الله ومنع تعاظمه عسكرياً في منطقة عملياتها، وإلا فلا لزوم لها».
ورغم تشكيك الخبراء ومراكز الأبحاث في إسرائيل، في قدرة تل أبيب وواشنطن على «التعديل»، ربطاً بمجموعة واسعة من المعوقات الداخلية اللبنانية، وكذلك ما يرتبط بالدول المشاركة في القوة الدولية التي يصعب تصور تماشيها مع الرغبات الإسرائيلية والأميركية، إلا أن إسرائيل مصرة ــ مع تشجيع أميركي (بل مزايدة على مواقفها) ــ في السعي والمحاولة.
في الكلمة التي ألقاها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، في مؤتمر هرتسليا في حزيران الماضي، والتي عدت نقطة انطلاق محاولة إسرائيل لدفع القوة الدولية إلى مواجهة حزب الله، أشار أيزنكوت إلى ما سمّاه «سعي تل أبيب السياسي» إلى إبعاد حزب الله عن جنوب نهر الليطاني. ولفت في حينه إلى أن حزب الله يخرق القرار 1701 ويعاظم انتشاره العسكري في منطقة عمليات اليونيفيل. في أعقاب الكلمة، بدأت المقاربة الإسرائيلية، وعلى لسان كبار مسؤولي تل أبيب العسكريين تحديداً، التركيز على مهمة اليونيفيل وفشلها في تحقيق هدف القرار 1701: مواجهة حزب الله، وذلك إضافة إلى سلسلة من التقارير العبرية، التي شددت على ضرورة تعديل تفويض القوة الدولية، ووضع آليات تسمح لها بالمواجهة، بل وتجبرها عليها.
تعزيز آلية وإمكانات تنفيذ القرار الدولي كما تريده إسرائيل، يحول دونه عدم انصياع الجيش اللبناني لتفسيرها لبنود القرار، الذي يفرض بحسب ما تقول، واجباً على المؤسسة العسكرية اللبنانية: مواجهة المقاومة. موقف الجيش اللبناني ورفضه الانصياع يفسر أيضاً سلسلة التصريحات والتقارير العبرية، التي هاجمت الجيش، ووصفته بأنه «بات جهة معادية»، وسيكون «هدفاً مشروعاً» للجيش الإسرائيلي، في الحرب المقبلة.
التعديلات المطلوبة إسرائيلياً وأميركياً على القرار 1701، ترتبط بآلية التنفيذ المتبعة منذ 11 عاماً: مهمة اليونيفيل هي مساعدة الجيش اللبناني على بسط سيادته. وهي آلية مرفوضة من إسرائيل والولايات المتحدة. أما التعديل، فيجب أن يكون مركزاً على مهمة «ملاحقة سلاح المقاومة والتصدي له»، مع ضابطة يراد أيضاً إقرارها، هي تمكين قوة اليونيفيل من التحرك التلقائي، من دون إذن مسبق من الجيش اللبناني ولا تنسيق معه. معنى ذلك وضع القرار 1701 تحت الفصل السابع من ناحية عملية، من دون إيراد ذلك في النص، في تجاوز تام للبنان ومؤسساته وقراره وسيادته.
هذا ما تحاول إسرائيل والولايات المتحدة فرضه على لبنان، وعلى الدول المشاركة في القوة الدولية، وعلى آليات تنفيذ القرار 1701، أي إيكال مهمة التصدي للمقاومة بالوكالة عن إسرائيل، في مرحلة ما بعد تعذّر المواجهة الإسرائيلية المباشرة.
في رسالة غوتيريس إلى مجلس الأمن، ولضرورات الموازنة الكلامية، ورد أنه «رغم الهدوء والاستقرار النسبيين، لمدة زمنية طويلة على طول الخط الأزرق، لم تفِ إسرائيل أو لبنان بالتزاماتهما بموجب قرار مجلس الأمن 1701، الذي أنهى حرب حزب الله وإسرائيل عام 2006». ويضيف الأمين العام للأمم المتحدة أن على إسرائيل سحب قواتها من الأراضي اللبنانية ووقف انتهاكات المجال الجوي اللبناني، وعلى الحكومة اللبنانية أن تمارس سلطة فعالة على كافة أراضيها، ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة». هذه العبارات، المتوازنة كلامياً، لم تلحظ من قبل مندوبة الولايات المتحدة، وستجهد كي لا تلحظ أيضاً في مناقشات المجلس أواخر الشهر الجاري. بالطبع، لن تحرك الإدارة الأميركية ساكناً لمواجهة خروق إسرائيل، بل تسعى من خلال مندوبتها في الأمم المتحدة إلى شرعنة وإطلاق يدها وخروقها باعتبارها حقاً مشروعاً، مع التركيز على محاولة وضع القوة الدولية في مواجهة المقاومة، نيابة ووكالة عن حليفتها إسرائيل.