شطب مبلغ 150 مليار ليرة من موازنة وزارة الاتصالات بـ«شحطة قلم» فتح الباب أمام لجنة المال والموازنة للتوسّع في التقصّي عن مشاريع وزارة الاتصالات، ولا سيما أن الجلسة الأخيرة كشفت عن مشاريع «وهمية» تنوي الوزارة تلزيمها بمليارات الليرات
تعقد لجنة المال والموازنة جلسة يوم الاثنين المقبل لمتابعة درس موازنة وزارة الاتصالات لعام 2017 استكمالاً للجلسة السابقة التي عقدت يوم الخميس الماضي وقدّم فيها وزير الاتصالات جمال الجراح لائحة مختصرة بمشاريع الوزارة، مقترحاً خفض المبالغ المخصصة لها من 750 مليار ليرة إلى 600 مليار ليرة.
اقتراح الجراح شطب 150 مليار ليرة من موازنة الوزارة المخصصة للمشاريع الاستثمارية في قطاع الاتصالات وتقديم لائحة بالمشاريع، جاء بعد شبهات واسعة أثارها عدد من أعضاء اللجنة عن مشاريع وزارة الاتصالات، وهي شبهات تعزّزت أكثر بعد اقتراح الشطب الذي خرج من وزارة الاتصالات بسهولة ومن دون مقدّمات أو حديث عن أثر الشطب على قطاع الاتصالات.
وقد سيطرت هذه الشبهات على الجلسة الأخيرة. بحسب مصادر اللجنة، فقد كان هناك سيل من الأسئلة الموجّهة إلى وزير الاتصالات عن مشروع «تحديث وتطوير السنترالات»، إذ ورد في لائحة المشاريع أنه «تم تلزيم المرحلة الأولى من قبل أوجيرو». وفي هذه الجلسة سُئل الجراح عن إجراءات التلزيم من توافر الاعتمادات إلى طريقة عقد النفقة واستحصاله على موافقة ديوان المحاسبة. إجابة الجراح كانت لافتة، إذ تراجع عما أُدرج في اللائحة المختصرة لجهة إتمام التلزيم من قبل أوجيرو، مشيراً إلى أن التلزيم حصل من خلال الوزارة مباشرة. وشدّد الجرّاح على أن مجلس الوزراء اطلع على المرحلة الأولى من هذا المشروع ووافق على دفتر الشروط، وهو ما دفع النواب جورج عدوان وحسن فضل الله وأنور الخليل إلى الاستفسار عن كيفية حصول هذا التلزيم بقيمة 15 مليار ليرة وسبب عدم تنفيذه من خلال إدارة المناقصات.
اسئلة النواب أربكت الجراح ودفعته إلى التراجع مرّة جديدة عن إجابته السابقة، مشيراً إلى أن المادة 147 من قانون المحاسبة العمومية تتيح له إجراء المناقصة بالتراضي... إلا أن النواب لم يكتفوا بهذه الإجابة، بل أصرّوا على معرفة كيفية التلزيم من دون توافر الاعتمادات، فتراجع الجراح نحو الفضيحة الأكبر، مجيباً بأن ما حصل هو «تلزيم أوّلي»، وخصوصاً أن وزارة المال التي كانت ممثلة في الجلسة، أوضحت أنه ليست هناك اعتمادات لمثل هذا المشروع ولم تعقد أي نفقة بهذا الخصوص.
في الواقع، ليس هناك أي قانون أو إجراء إداري يفسّر معنى «التلزيم الأوّلي». فإما أن التلزيم نفذ أو لم ينفذ، وإما تكون له اعتمادات أو لا تكون له اعتمادات. هذه العبارة ليست منصوصاً عليها في قانون المحاسبة العمومية وليست موجودة في أي قانون آخر. لكن المفاجأة التي سطّرها الوزير في هذه الجلسة أنه استرسل في سرد «خبرية» مشروع تحديث السنترالات، وعندما سئل عن مراقبة تنفيذ المشروع أجاب بأن الاستشاري الذي عيّنته الوزارة هو يراقب! هذا الأمر غريب من نوعه، فكيف هناك استشاري على مشروع ملزّم بشكل أوّلي!
على أي حال، النقاش احتدم في الجلسة وانتقل إلى توجيه الاتهامات بتحويل المال العام إلى مال خاص من طريق إصدار مرسوم يعطي شركة واحدة احتكاراً باستعمال مسالك الوزارة لتمرير كابلات ألياف ضوئية لشركة «GDS». المشكلة لا تكمن في الاحتكار الممنوح مجاناً لهذه الشركة وبشكل مخالف للقوانين والدستور فحسب، بل أيضاً بكون تخصيصها بهذا الامتياز يعني انتهاك سيادة الدولة على شبكة قطاع الاتصالات وضرب أي إمكانية للتنافسية. إجابة الجراح كانت بسيطة وخارجة عن السياق، إذ اكتفى بترداد «الشركة تمدّ الكابلات بإشراف الوزارة».
ومن أصل مبلغ الـ750 مليار ليرة، هناك مبلغ 225 مليار ليرة مدرج في قانون برنامج لوزارة الاتصالات قيمته الإجمالية 450 مليار ليرة تنفق على ثلاث سنوات، وأولها في 2017 بقيمة 225 مليار ليرة، ثم 150 مليار ليرة في 2018 و75 مليار ليرة في 2019. قانون البرنامج هذا أثار سجالاً بين الجراح والنواب، وطلبوا تقديم دراسة جدوى مفصّلة عن هذا القانون وأولويته في مشاريع قطاع الاتصالات، إذ لا يمكن تبرير صرف كل هذه الأموال فقط لأن الوزارة تزعم أن المشاريع التي سينفق عليها مبلغ الـ450 مليار ليرة ستردّ الكلفة خلال أربع سنوات.
ومما حصل في هذه الجلسة أن الجراح اقترح خفض «بدلات الأتعاب» من 23 مليار ليرة إلى 10 مليارات ليرة. هذه البدلات تتعلق أصلاً برواتب وأجور الهيئة المنظمة للاتصالات، وبالتالي إن السؤال المطروح هو كيف انخفضت هذه البدلات بشحطة قلم؟ وبحسب مصادر اللجنة، فإن هذا الإنفاق هو في الأصل مخالف للمادة 11 من قانون الاتصالات التي تحدّد مصادر تمويل الهيئة المنظمة للاتصالات من طريق واردات ذاتية تحققها، واستثنائياً، علماً بأنه لمدة سنتين من تاريخ تأسيسها تحصل على هذه البدلات من طريق مساهمات تخصص لها في الموازنة العامة.
موضوع بدلات الأتعاب يثير أسئلة كثيرة: كيف تمكّنت وزارة الاتصالات من خفض قيمة البدلات الممنوحة كرواتب وأجور لأعضاء الهيئة والمتعاقدين معها بقيمة 13 مليار ليرة دفعة واحدة، وكيف أنفقت المبلغ نفسه في عام 2016 حيث يرد في إنفاق الوزارة تخصيص مبلغ 23 مليار ليرة ضمن بدلات أتعاب الهيئة المنظمة أيضاً؟ ألا يدلّ هذا الخفض البالغ 57% على وجود مبالغة أو تبذير أو فساد ما؟
المثير حقاً هو ما جرى في نهاية الجلسة عندما وقف مستشار وزير الاتصالات نبيل يمّوت مهدداً النواب بالقول: «إذا لم يمرّ قانون البرنامج كما ورد فإن الموازنة لن تمرّ أيضاً». وصف أحد النواب كلام يمّوت بأنه قاله بصفته مستشاراً لدى رئيس الحكومة، وليس لوزير الاتصالات!