تداخل السجال في ملفين تعاقبا في توقيت متزامن، ذهاب وزيرين الى دمشق ورفض التنسيق العسكري مع سوريا، ادخل الانقسام الداخلي مجدداً في الزجاجة السورية. لكن الوزيرين سيذهبان، والتنسيق تفرضه مقتضيات الارض لا القرار السياسي
لم تعد وطأة الانقسام في مجلس الوزراء وخارجه تقتصر على الموقف من الحرب السورية وشرعية نظام رئيسها او عدم شرعيته، كما على شرعية المعارضة المسلحة وقد أضحى معظمها في كنف التنظيمات الارهابية وعدم شرعيتها. لم يعد يكتفي بالاشتباك القائم على دخول حزب الله في الحرب تلك وتأثيره الميداني في تطوراتها، بل انتقل في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء الفائت الى مخرج عجيب هو ان وزيري حزب الله وحركة امل حسين الحاج حسن وغازي زعيتر يذهبان الى دمشق بصفة شخصية.
ليس التنصل الاول. حينما ذهب حزب الله الى القتال في الحرب السورية، ابان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2012 ــ وكانت حكومة الفريق الواحد لا اثر فيها لقوى 14 آذار ــ قيل حينذاك ان ما لا يناقش في مجلس الوزراء لا يمسي معنياً به. كانت تلك الحجة المعقولة كي تحافظ حكومة ميقاتي على وحدتها من دون ان يعود حزب الله من سوريا. لم تتغير الحال في حكومة الرئيس تمام سلام التي خلفتها ــ قبل الشغور الرئاسي وابانه ــ حينما قال رئيسها مراراً انها حكومة شؤون الناس لا السياسات الكبرى التي انقسم من حولها فريقا حكومته، وكان الحزب لما يزل يقاتل هناك. لم تخرج حكومة الرئيس سعد الحريري عن السياق نفسه، وهي شأن تجربة سلفه، حكومة وحدة وطنية لكن بفارق جوهري عن الحكومتين السابقتين المتعاقبيتين لم يُلقِ بوزره على ميقاتي وسلام: رئيس الجمهورية ميشال عون صديق لم يتنكر لسوريا وحليف قوي لحزب الله.
سرعان ما اختبرت حكومة الحريري امتحاناً تلو آخر: حينما يدافع رئيس الجمهورية عن سلاح حزب الله ويبرره حاجة للجيش، لا يمثل الحكومة اللبنانية. وحينما يهاجم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السعودية تتبرأ منه الحكومة وفي عدادها وزراؤه، وتقول انه لا يمثل سياستها مع معرفتها الوثيقة بأنه حجر الرحى في السياسة الخارجية. هكذا حالها من داخل الحكم وخارجه. لا تملك كي تحمي وحدتها سوى التنصل من كل ما يشعرها بالاهتزاز.
في احدث امتحاناتها تناقض موقفي مرجعين كبيرين قلما اظهراه الى العلن بمثل ما حصل في الايام الاخيرة، رغم اصرارهما في الاشهر الثمانية المنصرمة على ابراز تفاهمهما وتعاونهما: بحماسة دافع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الملفين المتزامنين، ذهاب الوزيرين الى دمشق والتنسيق العسكري اللبناني ــ السوري في حرب الجرود 2، فيما غالى الحريري في رفضهما معاً، من غير ان يبدي صلابة مشهودة في التشبّث بالرفض وتعريض حكومته للاهتزاز، فأخرج الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء وفق معادلة تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية وعدم حاجة الجيش الى اي دعم في حربه المقبلة على تنظيم «داعش».
بكثير من التبسيط يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري: «لا أفهم كل مبررات هذه الضجة. لا يريدون ذهاب الوزير الى دمشق بينما حزب الله كله في سوريا. لم يجف حبر استجرار الكهرباء منها، ولا جف حبر تعيين سفير لبناني جديد في دمشق». ما يضيف إليه برّي: «عندما يذهب الوزيران، فهما سيذهبان كوزيرين مثلما ذهب المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى دمشق او تواصل معها بصفته مسؤولاً في الدولة اللبنانية وافق المسؤولون سلفاً على المهمة التي يقوم بها هناك. لولا سوريا لما كان نفذ اتفاق عرسال، ولولاها لن ينفذ اتفاق اخراج سرايا اهل الشام من الجرود. سيمرون في الاراضي السورية، ويقيمون فيها، وستشرف الحكومة السورية على انتقالهم. يقولون لا يريدون التنسيق معها. لديها سفير عندنا لا يتوقف عن التحرك، وسفير لنا عندهم. حسناً. تكلموا طويلاً على العلاقات الديبلوماسية ما بين البلدين. في حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1991، وكنت لما ازل وزيراً، سألت الرئيس حافظ الاسد وكان معنا وزراء: لماذا لا تقيمون علاقات ديبلوماسية بين البلدين فنتفادى القول ان سوريا لا تعترف بلبنان؟ كان بيننا من الجانب السوري شخص هزّ برأسه ايجاباً هو وليد المعلم ولم يكن بعد وزيراً».
يضيف بري: «قبل 25 يوماً، ولم يكن كل هذا السجال الدائر اليوم حول سوريا والتنسيق العسكري، اخبرني وزير الزراعة (زعيتر) ان ثمة مشكلة في الانتاج الزراعي الكاسد، فقلت له تذهب الى سوريا في اسرع وقت لمعالجة مشكلة الكساد واغراق السوق اللبنانية بالمزروعات السورية المهربة كالبطاطا والحمضيات والفواكه. من دون اي حوار معها كيف يمكن حل مشكلة كهذه؟ كذلك حالنا مع ملف النازحين السوريين».