المصلحة الانتخابية، والرغبة في استفزاز الوزير جبران باسيل، جمعت «العدوّين» القوات اللبنانية وتيار المردة. يريدان إقناع الجميع بأنّ في إمكانهما الالتقاء، ولو أنّ بينهما جبالاً من الخلافات التاريخية والسياسية والاستراتيجية، وإقراراً مُشتركاً بأنّ التحالف لا يزال صعباً
لا ينفتح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع على تيار المردة ورئيسه النائب سليمان فرنجية، «إعجاباً» بالأخير. مبادرة موفد القوات إلى بنشعي طوني الشدياق باتجاه الوزير الزغرتاوي يوسف سعادة، قبل أسابيع، لإعادة وصل ما انقطع بين الطرفين، لا هدف لها سوى تطويق رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في مسقط رأسه، دائرة الشمال الثالثة (تضّم أقضية البترون، الكورة، زغرتا، بشرّي). يُدرك المرديون ذلك، ولم يزعجهم أن ينخرطوا في هذه «اللعبة»، ما دام الهدف كَسر «العدوّ» (باسيل) المشترك، أو على الأقل «نكايته».
ليست المرّة الأولى التي يُحاول فيها جعجع «سحْب» فرنجية إلى «الخطّ» الذي يُمثله، ودقّ الإسفين بينه وبين حلفائه؛ ففي أحد اجتماعات اللجنة المشتركة بين المردة والقوات، فاجأ (كما روى فرنجية أمام وفد من الصحافيين في شباط ٢٠١٦) الشدياق محاوريه بنية القوات دعم ترشيح فرنجية إلى رئاسة الجمهورية شرط تلبية عدد من الشروط التي رُفضت. ولكن لم يكن ذلك سبب «تكويعة» جعجع من بنشعي باتجاه الرابية. «جُنّ جنون» رئيس القوات حين زاره الوزير غطاس خوري عام ٢٠١٥، مُبلغاً إياه أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري قرّر ترشيح فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. فجعجع لم يكن يوماً جدياً في إيصال الرجل الذي يتّهمه باغتيال عائلته، إلى بعبدا.
التاريخ نفسه يتكرر بين المردة والقوات. تقول مصادر مُطّلعة على واقع القوى الثلاث (القوات والعونيون والقوات) أنّ «جعجع سيبقى يتقرّب من فرنجية، ويظن أنه بذلك يُرسل إشارات إيجابية إلى حزب الله، وفرنجية يعتقد أنّه بذلك يسحب جعجع من التيار الوطني الحر». ولكن، في لحظة الحسم، وحين «يسطع نجم فرنجية الرئاسي من جديد، يعود رئيس القوات إلى محاولات تطويقه، و(ربما) يُعاونه في ذلك باسيل». باستثناء سِجل جعجع مع فرنجية، وطريقة تعامله في الـ٢٠١٥، لا مؤشرات تؤكد كلام المصادر. على العكس، يبدو المردة والقوات مقتنعين بتقاربهما، ويُبشّران به، من باب «وجود مصلحة انتخابية تُحتّم ذلك»، علماً بأنّه يوم وقّع ميشال عون ورقة النوايا مع سمير جعجع، قامت قيامة المردة على اعتبار أنّه لا جامع بين التيار العوني والقوات سوى «إلغاء الأطراف المسيحية الأخرى»، وبأنه اتفاق مصلحة لا مصالحة. انطلاقاً من هنا، يصحّ أيضاً سؤال المردة عن نقاط الالتقاء بينهم وبين القوات اللبنانية حتّى يتحدثون، ولو من باب المناورة، عن تقارب. إذا تحالف التيار العوني والقوات، فعلى الأقل يُمكنهما تبرير ذلك بوجود اتفاق بينهما. فكيف سيُقنع المردة جمهوره، بين ليلة وضحاها، بأنه عوض أن يكون حليف الحزب السوري القومي الاجتماعي في الشمال، سيضع يده بأيدي مرشّحي سمير جعجع؟
أولاً، «ما بين التيار العوني والقوات موضوع إنشاء وليس ورقة تفاهم. اتفاقهما حصل من أجل رئاسة الجمهورية فقط»، ترد مصادر المردة، التي تسأل مستنكرة: «ممنوع على الآخرين أن تكون أبوابهم مفتوحة، ولكن يُسمح للتيار الوطني الحر بذلك؟». مُشكلة المردة أنه يُقدم إلى المكان الذي عابه على «التيار»، ووفق الأدوات نفسها التي استعملها الأخير. ولكن مصادره تُصّر على أنّ «كونه لم يعد هناك من انقسام سياسي (عاد ليظهر في جلسة الحكومة في توزّع الوزراء بين مؤيد ومعارض لزيارة سوريا)، باتت خيارات كلّ طرف واسعة». وتضيف ساخرةً، «جبران باسيل موهوب. حوّلنا إلى أعداء له، ونجح في تقريبنا من القوات التي تريد أن لا تضع كلّ أوراقها في سلّة وزير الخارجية».
ينظر المردة بإيجابية إلى «المبادرتين اللتين قامت بهما القوات تجاه بنشعي عبر زيارتي وزير الاعلام ملحم رياشي ووزير الصحة غسان حاصباني»، علماً بأنّ هدف الزيارتين يتعلق بوزارتي كلّ منهما. من بعدها، اتصل الشدياق بسعادة طالباً إعادة تفعيل الاجتماعات. اللقاء الأول خُصّص لتسجيل المردة عتبه على الطريقة التي قاربت بها القوات الملف الرئاسي، وتصرّفها في الـ٢٠١٥. وعوض عن أن تنشأ لجنة موسعة من الطرفين، اقتصرت على سعادة والشدياق، من دون أن تجتمع بصورة دورية، «بل حين تدعو الحاجة».
يُدرك المردة أنّ «التحالف بيننا وبين القوات في الشمال، يضرب علاقتهم بالتيار الوطني الحر». التحالف بين القوات والمردة «ليس بالأمر السهل، ولكنه احتمال وارد، لأن كلّاً منا يريد مصلحته». وحتّى الساعة، «لا وعود متبادلة بين بنشعي ومعراب. لسنا متأملين في أن يسير جعجع معنا بين ليلة وضحاها، ولن تتطور العلاقة إلى مستوى التفاهم الخطي، ولا لقاء بين البيك وجعجع في المدى المنظور. إلا أنه لا شيء يمنع المحاولة».
على جبهة القوات اللبنانية، إيجابية وارتياح مُلاحظان لدى السؤال عن العلاقة مع المردة. فبعد «المصالحة بيننا وبين العونيين، لم يعد هناك مشكلة مع أحد»، مع إشارة المصادر إلى أنّ المصالحة مع التيار الوطني الحر تطورت إلى اتفاق وأخذت مدى أكبر «لأنه قوة وطنية، في حين أنّ المردة قوّة مناطقية وبعدهم الوطني مؤمّن عبر حزب الله». تصف مصادر رفيعة المستوى في القوات العلاقة بين معراب والمردة بأنها «قائمة على أساس صفر مشاكل». ولكن، هي أيضاً توافق على أنّ «التحالف بيننا أمر غير مطروح في الوقت الحاضر. وقبل بداية الـ٢٠١٨، لن يُحسم شيء». احتمال التحالف إن تحقق، ولا سيّما في الدائرة التي يترشح عنها باسيل، ألن يؤثر على العلاقة مع التيار الوطني الحر؟ تردّ مصادر القوات: «أولاً، طبيعة القانون لا تُلزم أيّ طرف بالآخر. وثانياً، العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر دائماً ما كان أساسها ثنائية ميشال عون وسمير جعجع، ولم يكن مرّة سمير جعجع وجبران باسيل».