اصطف العسكر شرقاً. هذه المرة ليسوا من حزب الله، بل برفقته. شباب لبنانيون، ومن انتماءات مختلفة لبّوا دعوة التعبئة التربوية في الحزب لزيارة جرود عرسال المحررة.
 بسيارتهم الخاصة الرباعية الدفع أو التي استأجرها البعض منهم لهذه الرحلة غير الاعتيادية، قرروا المغامرة. «الله يعينكم شو رح يصير بالسيارات» يقول أحد مرافقي الرحلة. «لا تهكل هم» يجيب أحد ممثلي المنظمات. 
٤٦ شاباً وشابة من ممثلي المنظمات الشبابية: الحزب السوري القومي الاجتماعي، التيار الوطني الحر، تيار المردة، حزب الطاشناق، تيار التوحيد الاسلامي، جمعية المشاريع الاسلامية، الحزب الديمقراطي اللبناني، الحزب الديمقراطي العربي وحركة الشعب والحزب الشيوعي اللبناني، كانوا على موعد نهار السبت في الجرود. 

خريطة المشوار لا تشبه بقية المشاوير التي اعتاد روادها عليها في جبل الباروك أو في زغرتا،أو... لا يعرفون شيئاً عن هذه الجرود سوى أنهم سمعوا في الأسابيع الأخيرة على شاشات التلفزة المحلية والدولية بأن «حزب الله» حررها. 
الإنطلاق من نقطة اختارها المنظمون في بلدة يونين، بلباس عسكري موحد وكوفية. لم يمانع أحد ارتداءها حتى من المشاركات اللواتي حرصن على هندمتها، وكذلك فعل «الشيخ أحمد» من تيار التوحيد الإسلامي حينما اعتمر عمامته ولبس البزة العسكرية.
 بعد دقائق، تشقّ السيارات طريقها باتجاه الجرود وأعلام الأحزاب المشاركة تعلو أسطحها. تعبر كل سيارة عن هويتها، فيمتزج صوت أنشودة «اضرب والريح تصيح» مع «يا بلادي انهضي يا بلادي»، يقطعها صوت قادم من جوار أحد المنازل لطفل يهتف «الله يحميكم».
 ملامح القرى والزفت تكاد تختفي مع الوقت، ليبدأ عالم آخر اسمه «الجرود». جرود يونين بعدها جرود عرسال، هناك من الصعب أن ترى وجهاً بشرياً واحداً. عليك أن تنسى الخريطة أو google maps. فقط اتبعوا الطريق مع سيارات «شباب الحزب».

 تتعطل «سيارة شباب الطاشناق». هل يوجد «ميكانيسيان؟» سؤال غريب هنا. «اتركوها أرضاً وليوزع الشباب أنفسهم على بقية السيارات، لا تقلقوا... نحن نتدبر الأمر». اقتربنا من المعبر الأول «ولا يجب أن نتأخر»، يقول «أبو محمد».
 عند المعبر الأول، عيون المقاومين ترحّب بالوافدين الذين غطى سحنات وجوههم غبار الجرود وظمأ شمس آب الكالحة. «يا أهلا بالشباب الطيبة والغالية ( باللكنة البقاعية)»، دخل مقاوم غرفة الحرس وعاد بيده «شربة مياه» وصندوق تفاح أصفر مؤونة يوم المقاومين، أحب أن يتقاسمه مع «الطلاب».
 «السيلفي» ستصبح سيدة المكان و«الكرتونة وتحياتها» التي صارت رمزاً. كانت «نتالي» تسأل مقاوماً: «بدي كرتونة ابعت تحية للبابا... معك قلم؟». يضحك المقاوم، وفي الجانب الآخر، كان «ثائر» يحفر بقلم الحبر على «كرتونة» تحية إلى «ابنته كاترين»، وآخرون اعتلوا جيباً عسكرياً مع علم حزبه والعلم اللبناني لأخذ صورة تذكارية... وآخرون طلبوا من الحاج أبو محمد تصحيح وضعية السلاح قبل أخذ الصورة. 
أبعد من نقطة المعبر، باتجاه الميدان المحرر وما «لم يُر بعد!» كانت الوجهة «سهل الرهوة» و«وادي المعيصرة» و«مغارة أبو مالك التلي». انعطافات تسلكها السيارات هنا وهناك تعتريها موجة من الغبار الأبيض المرتفع الذي يلج الأنف والعينين. لا مفر منه سوى اغلاق نوافذ السيارات ومكيف يطري الجو! 
بانعطافة أخرى، تتقوس الطريق حتى تكاد تلامس خطر الانزلاق، مساحات من صخور أشبه بالقنافذ كانت شاهدة على «ملحمة حزب الله في الجرود»، يروي بعض فصولها «الحاج ابو علي». هنا حكاية عن الشهيد جعفر مشيك الذي خط رحلة جهاده الأصغر كما يقول «ابو علي»، وهو الذي حرص حتى آخر لحظات استشهاده على حث مقاتلي التعبئة على عدم اطلاق رصاصة قد تصيب مخيم النازحين «لأن أخلاقنا لا تسمح.». وعن الجيش اللبناني يتحدث أبو علي: «نحن وإياهم حال واحدة... هم أهلنا وأخوتنا... وما يريدونه منّا نحن في خدمتهم... ستشاهدون بعد قليل أسلحة مصوبة نحو «داعش» (تمنى عدم تصويرها) وجاهزة لمؤازرة اخوتنا بالجيش». تختم اللحظة هنا، بإكليل ورد باسم المنظمات الشبابية وقراءة الفاتحة وإشارة صليب ولحظة صمت!
 إلى مغارة «أبو مالك التلي» آخر المحطات. القلوب تسابق الأقدام بسرعة تمثل أمام الحاضرين عذابات عناصر الجيش اللبناني الذين أسرتهم «جبهة النصرة». كانت بقعة الظلام داخل المغارة تتمدد أكثر فأكثر، لا تكشف ما تخبأ من أمكنة إلا إضاءة من كاميرا هاتف. هنا زنزانة زُجّ بها جنود الجيش... وهنا «اختبأ ارهابيو النصرة قبل أن يفروا كالجرذان» حسب أبو علي. هذه هي «المغارة الشبح». تقول صبية قدمت مع الوفد من الضنية، تختقها الدمعة «يا الله... كيف كانو يتعذبو ابطال الجيش... كيف كانت حياتهم؟ ما عم بتحمل يلي شفتو». أما «محمد» القادم من طرابلس والمنفي من بلد خليجي لتأييده السيد حسن نصر الله فيقول: «هؤلاء وهابيون لا علاقة لهم بالإسلام... مؤسس الوهابية يقول إن محمد (ص) هو الذي بدأنا بالعداوة!».

بعد ست ساعات ونيف من الجولة، اختتمت بدرع تقديري من المنظمات الشبابية لأحد ضباط المقاومة. تستدير القافلة باتجاه نقطة المعبر مرة ثانية، ولكن ماذا عن السيارة التي تعطلت؟ يتقدم مسؤول النقطة من الطلاب الأرمن: هذا رقم هاتفي، نحن سنتولى اصلاح السيارة غداً صباحاً لأنه من الصعب حالياً أو سحبها إلى بعلبك. عند العاشرة ليلاً يتصل مسؤول النقطة بممثل الطاشناق: السيارة تم سحبها الى بعلبك لإصلاحها.
 «شكراً حزب الله... شكراً للتعبئة التربوية على هذه الجولة. وعداً سنحكي عن هذا النموذج يلي ببيّض الوجه. بس عنا طلب صغير بدنا بدلة عسكرية أو بادج عليه شعار الحزب... بتسمحولنا؟»، يهمس بعض المشاركين في أذن منظم الرحلة.

 


 

المصدر: شاهد نيوز