الأسد يأمر بقوة نارية كبيرة من الجانب السوري في معركة تحرير الجرود


مع انتهاء آخر عمليات تحرير جرود عرسال، بالقوّة وبالتفاوض، شرع حزب الله في تسليم المواقع في جرود عرسال إلى الجيش اللبناني، في خطوة تثبّت وجود الدولة في البلدة الحدودية المنسيّة. وبالتوازي مع نهاية تسوية خروج «سرايا أهل الشام» أمس، ترجّح المعلومات بدء عملية الجيش اللبناني ضد «داعش» خلال 48 ساعة (مع تأكيد جميع المصادر أنها ستبدأ الأسبوع الجاري)، بالتزامن مع صدور قرار من الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجيش السوري لتأمين قوة نارية كبيرة لضرب «داعش» من الشرق

إنّها اللحظات الأخيرة قبل شروع الجيش اللبناني في معركة تطهير جرود السلسلة الشرقية في القاع ورأس بعلبك من تنظيم «داعش» الإرهابي، مع مغادرة آخر مسلّح من «سرايا أهل الشام»، بعض ظهر أمس، جرود عرسال إلى فليطا السوريّة. كل المؤّشرات الميدانية والسياسية التي تجمّعت يوم أمس تؤكّد أن المعركة تنتظر إشارة البدء من قبل قائد الجيش العماد جوزف عون: التحضيرات العسكرية اللبنانية وحشود الألوية وأفواج التدخل اكتملت، خروج الـ«السرايا» والبدء بتفكيك الجزء الأكبر من مخيّم وادي حميد، تحضيرات الجيش السوري وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي مكتملة، وسلسلة الغارات العنيفة التي شنّتها الطائرات السورية بعد ظهر أمس على مواقع «داعش» الأساسية في معبر الزمراني ومرطبية وفيخة وميرا ومرتفع حرف الحشيشات والبوحديج وجرود قارة والجراجير.

وفي خطوات متوازية، بدأ الجيش اللبناني أيضاً تسلّم المواقع التي أسّسها حزب الله في السنوات الماضية في جرود القاع، وأبرزها موقع «السمرمر»، تنفيذاً لإعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قرار المقاومة بتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور على الحدود اللبنانية ــ السورية. وفي جرود عرسال أيضاً، وما إن غادرت آخر حافلة لمسلّحي «سرايا أهل الشام»، حتى دخلت قوات من فوج المدفعية الثاني التابع للجيش اللبناني وبدأت بالانتشار في منطقة وادي حميد وأطراف سهل عجرم آتية من جرود يونين، وكذلك دخلت قوّات أخرى من حاجز وادي حميد لتكمل انتشارها في المنطقة. وفي حين وُضعت الخطط لتسليم الجيش اللبناني خلال الأسبوع الحالي كامل المواقع التي سيطر عليها حزب الله من إرهابيي «جبهة النصرة» أو تلك التي بنتها المقاومة لمواجهة المسلّحين وحماية الحدود، فكّك حزب الله غالبية مواقعه في جرود عرسال، ومواقع «العمامة» و«القنزح»، ويعمل على تفكيك مواقع «عقبة نوح» و«ضهر وادي معروف» المشرف على وادي حميد. طبعاً، على أن يحتفظ حزب الله بمواقعه المشتركة مع الجيش السوري في الأراضي السورية المتاخمة للحدود اللبنانية. إلّا أن تفكيك المقاومة لمواقعها وأسلحتها وعتادها في الأراضي اللبنانية وتسليمها للجيش، سيمكّن الجيش من الحصول على مواقع محصّنة بشكل كبير وسواتر ترابية وصخرية عملت المقاومة على بنائها طويلاً، وعلى طرقات عسكرية شقّها المقاومون طوال السنوات الماضية لنقل الإمدادات والأعتدة.
وفيما تحجم المصادر العسكرية المتنوّعة عن الدخول في توقّعات المعركة والإطار الزمني المقدّر لها، إلّا أن غالبية المعنيين يقيّمون المعركة مع «داعش» على أنها معركة صعبة، سيثبت فيها الجيش جدارته وقدرته على مواجهة الإرهاب. فالجغرافيا في جرود القاع ورأس بعلبك تزيد صعوبةً ووعورة عن جغرافيا جرود عرسال، وفيها مرتفعات عالية مثل «حليمات قارة» التي تشبه «تلّة موسى». كذلك فإن التنظيم الذي بنى منظومة دفاعيّة في المنطقة خلال سنوات تمهيداً لمعركة من هذا النوع، لا يملك أوراق القوّة للتفاوض التي كانت تملكها «النصرة»، وبالتالي فإن خيار ذهابه نحو المواجهة المحسومة مع ارتباطه بقرار مركزي في المواجهة وغياب الأفق لأي تسوية، يدفع مسلحيه نحو القتال حتى الموت، ما لم تكن هناك خطوط تواصل يُعمل على فتحها لإيجاد تسوية ما، تعطي الإرهابيين أملاً بخطّ خروج خلفي، بما يساعد على تخفيف شراستهم في المواجهة.
وليس معروفاً بعد إن كان الجانب اللبناني والسوري والمقاومة معنيّين الآن قبل بدء المعركة بالبحث عن مخارج، يمكن أن تبدأ من تسليم «داعش» أسير للمقاومة أسره التنظيم في البادية السورية، إضافة إلى جثامين شهداء، مقابل خروج آمن نحو البادية.
كذلك علمت «الأخبار» أنه حال بدء المعركة من الجانب اللبناني، سيكون هناك زخم عسكري كبير من الجيش السوري وحلفائه لتطهير الجرود السورية من «داعش» وسرعة تقدّم كبيرة ستدفع بالإرهابيين نحو الغرب، بفعل قوة النيران والخبرة التي امتلكها السوريون والمقاومة في هذا النوع من القتال. وبالتالي، سيكون هناك صعوبة في متابعة قتال الجيشين من الجانبين، ما لم يكن هناك تنسيق عسكري فعلي لضبط النيران وتقدّم القوات.
وفيما خصّ تسوية خروج «سرايا أهل الشام» التي انتهت أمس، يمكن القول إن اللواء عبّاس إبراهيم وضباط الأمن العام اللبناني أثبتوا قدرتهم على إدارة ملفّات تفاوضية معقّدة بعد سنوات من الخبرة، وأُثبتت كذلك فعالية التنسيق بين السوريين واللبنانيين لمكافحة الإرهاب وتجنيب البلاد مخاطر أمنية.
في مجريات عملية الخروج، وبعد أن فشلت مراوغات «سرايا أهل الشام» في إحراج المفاوض اللبناني ومحاولة الضغط للخروج بالسيارات في سابقة لا يقبل بها السوريون، تحوّل فشل فرض الخروج بالسيارات إلى حالة اعتراضية لدى المدنيين المحسوبين على سرايا الشام ضد الفصيل. وقام البعض ببيع السيارات التي يملكونها إلى أبناء عرسال قبل المغادرة، ما أحدث حالة إرباك وزحمة كبيرة في وادي حميد. وفيما غادر نحو ثلاثة آلاف شخص إلى الداخل السوري، بينهم 279 غادروا بسلاحهم الفردي، دخل أمس نحو ألف شخص من مخيّم وادي حميد إلى عرسال من الذين لم يرغبون في المغادرة مع «سرايا أهل الشام»، بعضهم كان يحمل سلاحاً فرديّاً سلّمه للجيش اللبناني. وبدأ العمل على تفكيك أجزاء من مخيّم وادي حميد، فيما بقيت داخله مجموعة من النازحين من المحسوبين على المدعو أبو طه العسالي، ينتظرون انتهاء تسوية أوضاعهم مع الدولة السورية للعودة بسياراتهم الشرعية إلى قرى القلمون الغربي. ومع ساعات المساء، كانت الحافلات قد وصلت بأكملها إلى منطقة فليطا، ومنها سينتقل الخارجون إلى بلدة الرحيبة، بعد أن تقوم الأجهزة السورية المعنية بالتأكد من الأسماء وتنظيم لوائح الدخول وعمليات التفتيش.
الحريري و«العبدلي»: مزايدة وتهويل

وفي سياق آخر، لا تزال قضية الموقف الكويتي ممّا سمّي «خلية العبدلي» تتفاعل، خصوصاً مع زيارة الرئيس سعد الحريري للكويت أول من أمس. إلّا أن معلومات «الأخبار» أكّدت أن الموقف الكويتي تجاه لبنان كان قد تبلور قبل زيارة الحريري، خصوصاً مع الاتصالات التي أجراها الرئيس نبيه برّي بالجانب الكويتي، معرباً عن وقوف لبنان إلى جانب الكويت وتوضيح موقف حزب الله من هذا الأمر وحرصه على أمن الكويت. وتقول مصادر مطّلعة إن «الأجواء التي خلقها الحريري ومحيطون به تحمل الكثير من التهويل» وإن «الاتصالات التي سبقت زيارة الحريري عدّلت الكثير في الموقف الكويتي، وجرى نقل رسالة إيجابية من حزب الله إلى الكويت ورسالة كويتية إيجابية تجاه الحزب».

المصدر: الأخبار