لم تأت همّة النواب على العمل التشريعي على قدر توقعات رئيس المجلس، فغابت غالبيتهم عن الجلسة المسائية أمس، وغاب معهم النصاب. أما صباحاً، فقد أُقرت 7 قوانين، أعطت إشارات إيجابية، ولو منقوصة. غير أن اللافت فيها كان وقوف نواب مستقبليين في وجه الرئيس سعد الحريري خلال مناقشة عدد من المواد
بالكاد استطاع مجلس النواب أمس إقرار 7 قوانين من أصل 9 تمّت مُناقشتها، في جدول أعمال من 28 مشروعاً واقتراحاً. كان العمل التشريعي يسير ببطء، فيما تتزاحم الأحداث في الخارج وتمتدّ آثارها لتحيط بالحكومة التي كان رئيسها سعد الحريري مرتبكاً طوال الوقت.
لم يكُن يكفيه همّ سلسلة الرتب والرواتب ومعركة الجرود وزيارة وزراء حزب الله وحركة أمل والمردة لسوريا، حتى اصطدم بـ «لوبي» مستقبلي يحاصره. إذ عَمد أكثر من نائب في كتلته إلى معاكسته، تقدّمهم النائبان فؤاد السنيورة وهادي حبيش. فظل يعض على شفتيه ويهز قدميه بانفعال واضح، ولم تظهر ابتسامته إلا بعد ساعتين مع دخول رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى القاعة. في المقابل، أتت همّة أصحاب السعادة على التشريع مخيبّة لآمال الرئيس نبيه برّي، الذي كان قد دعا إلى إطلاق ورشة عمل برلمانية لتخصيص جلسات عامة للتشريع وأخرى لمساءلة الحكومة. ففي الجولة المسائية، لم يلتزم النواب الحضور، ما أثار استياء برّي الذي أسف «للاستلشاق بالتعامل مع مشاريع قوانين تهمّ حياة المواطنين». انتظر عشر دقائق قبل أن يرفع الجلسة لعدم اكتمال النصاب، وقال: «ما حدا يرتبط الثلاثاء والأربعاء».
دخل برّي إلى الهيئة العامة وفي نيّته المباشرة بنقاش جدول الأعمال، غير أن عدداً من النواب أصر على الكلام من باب الأوراق الواردة. فاستغرب نقولا فتوش رفض البعض زيارة سوريا، في ظل وجود أكثر من 26 اتفاقية مشتركة بين البلدين، وقال: «هناك شخصيات تذهب بالخفاء. فكفى مكابرة». وأثار بطرس حرب مسألة إقالة رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، معتبراً إياه مخالفة للدستور. أكرم شهيب تناول ملف النفايات، وسأل نديم الجميّل «القيّمين على السلطتين السياسية والقضائية» عن خروج خمسة إرهابيين من السجون من دون قرار قضائي، وعن «تعيين رئيس لمجلس شورى الدولة من دون كفاءة»، فتدخّل برّي طالباً «عدم التعرض لكرامات الأشخاص». وطالب علي عمار مجلس النواب والحكومة بـ «إصدار موقف داعم للجيش اللبناني الذي يتحضر لتطهير جرود رأس بعلبك والقاع من إرهابيي داعش».
مجلس النواب صدّق على عجل مشروع القانون المتعلق بطلب الموافقة على إبرام بروتوكول بين الجمهورية اللبنانية والمجموعة الأوروبية. واتفاقية أخرى مع الاتحاد الروسي حول نقل الأشخاص المحكومين، ومشروع لحماية الحيوانات والرفق بها. بعدها بدأ النقاش المستفيض حول مشروع القانون المتعلق باستفادة حملة الشهادات الجامعية المعينين في ملاكات المدارس الخاصة للتعليم العام ما قبل الجامعي، أو في ملاك وزارة التربية والتعليم العالي من الحقوق الممنوحة لحملة الإجازات التعليمية. فاعتبر ألان عون أن مشروع القانون يأتي خارج السياق بعد إقرار السلسلة. فيما أشار علي فياض إلى «فوارق شاسعة بين حملة الإجازات وغيرهم في الراتب»، معتبراً أن «المشروع يحقق المساواة». وهنا طلب السنيورة «رأياً واضحاً وصريحاً من وزارة التربية ومعرفة التأثيرات المالية لهذا المشروع وغيره»، بحجة أنه «لم يعُد بإمكان المجلس الاستمرار بالتشريع دون معرفة الآثار المترتبة، في ضوء التردي في مستويات النمو الاقتصادي»، فردّ مروان حمادة بأن «السلسلة وحّدت بين حملة الشهادات الجامعية والشهادة التعليمية»، مشيراً إلى أن «المشروع أقر في الحكومة السابقة ولسنا ضد أن يكون المجلس على اطلاع على عدد المستفيدين وكلفة المشروع على الخزينة». وزير المال علي حسن خليل طالب «وزارة التربية بتحديد العدد لمعرفة الكلفة المالية»، فطلب حمادة أسبوعين لتقديم الدراسة، قبل أن يُعاد المشروع إلى لجنة المال.
ومع طرح اقتراح القانون المتعلق بإنشاء محافظة جديدة في جبل لبنان في قضاءَي كسروان وجبيل، رأى وزير الداخلية نهاد المشنوق أن الاقتراح يتعارض مع المادة 65 من الدستور التي تعطي الحق لمجلس الوزراء إعادة النظر بالمحافظات، مطالباً بسحب الاقتراح من التداول. غير أن صاحب فكرة المشروع النائب نعمة الله أبي نصر رأى أنه «يتماشى مع اللامركزية الإدارية»، مشيراً إلى أن «بلديات القضاءين تصرّ على إنشاء محافظة جديدة». فيما سجّل النائب سمير الجسر اعتراضه بناءً على مخاوف من عدم التصويت بأكثرية عادية، والتصويت في الحكومة بالثلثين، فتدخل برّي، مشيراً إلى أن «تفسير المادة 65 ليس واقعياً، فمجلس النواب له السلطة الواسعة في التشريع، والصلاحيات الأساسية هي للمؤسسة الأم». وفيما استوضح النائب أنور الخليل عن «الاستعدادات المالية لتكون هذه المحافظة قابلة للحياة»، استغرب النائب عباس هاشم «غياب هذه الديباجة حين أُنشئت محافظة عكار وبعلبك الهرمل». وفيما رأى المشنوق أن إنشاء المحافظة ليس في مصلحة جبل لبنان، وافقت كتلة المستقبل، فيما تحفظّ السنيورة «لأسباب مبدئية». أما اقتراح القانون الرامي إلى تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص فاعتبره برّي من «أهمّ القوانين». غالبية النواب أيدوا إقراره بمادة وحيدة، فيما اقترح السنيورة إضافة فقرة تتعلق بتشجيع الاستثمار بما لا يؤدي إلى ضرر بمصلحة القطاع العام. وصدّق الاقتراح بعد موافقة الرئيس الحريري.
وأخذ اقتراح القانون الرامي إلى الغاء المادة 522 من قانون العقوبات حيزاً واسعاً من النقاش، قبل إقراره. وكان لافتاً وقوف النائب محمد الحجار في مواجهة السنيورة خلال البحث في البند المتعلق بأساتذة الجامعة اللبنانية. فرئيس كتلة المستقبل لا يريد الموافقة بحجة المترتبات المالية، لكن الحجار كان متحمساً لكونه من أساتذة الجامعة، رغم أنه طالما صوّت مع قرار كتلته في حجب حقوق مماثلة عن المطالبين بها.
وبعد اعتراض الحريري على تكبيد الدولة أعباءً مالية إضافية، ولا سيّما عقب إقرار سلسلة الرتب والرواتب، أُرجئ البتّ في الاقتراح الرامي إلى إفادة المتعاقدين في الإدارات العامة وسائر المتعاقدين وفقاً للأصول، وبدوام لا يقلّ عن الدوام الرسمي من نظام التقاعد وتقديمات تعاونية موظّفي الدولة، إلى أن تنتهي اللجنة الفرعية المعنية بهذا الموضوع التي يرأسها النائب عاطف مجدلاني من دراسة ضمان الشيخوخة، وإذا لم تصل إلى نتيجة بعد شهر من ذلك، يُعيد بري طرح القانون على الهيئة العامة. وفي نقاش هذا البند، ظهر التفاوت بين نواب مستقبليين والرئيس الحريري، فقد أيد حبيش النائب إبراهيم كنعان لناحية «إنصاف المتعاقدين»، معارضاً حديث الحريري عن الأعباء، إذ علّق كنعان على كلام الحريري «مش ما بدنا نعطيهم، ما فينا نعطيهم»، بالقول: «للأسف دولة الرئيس، وكأنك تقول لمن أفنى 40 عاماً في خدمة دولته، كل تعبك راح ببلاش، ليس هكذا تبنى الدولة»!