لا فائدة تُذكر من كل الذي قيل في مجلس النواب أمس. ولا معنى لأي «محاضرة» قدّمها المتناوبون على الكلام، سوى أنها اعتراف بالتقصير. فالسرد والنُّصح والاقتراحات لا تفتح أي باب أمل وخلاص، ما دامت حدودها التعبير عن الرأي، لا المحاسبة. أساساً، لم تكُن الجلسة التي عُقدت أمس جلسة مساءلة للحكومة.
بل كانت في الواقع دردشة عامة وتكرار مواقف في موسم انتخابي. حتّى أنها بدَت باردة ورتيبة، عكس كل التوقعات التي تحدّثت عن «نزال» نيابي حادّ حول عدد من الخلافات. ففي أحوال مثل التي تُحيط بنا، وملفات كتلك التي تحاصرنا من الكهرباء مروراً بالنفط والسلسلة والاتصالات والجرود والعلاقات مع سوريا، كان غريباً تبريد الأجواء والابتعاد عن استفزاز الحكومة، دون أن يحول ذلك بروز أصوات معارضة، ولكن بهدوء. كان أبطالها في الجولة الصباحية النواب حسن فضل الله وإبراهيم كنعان وأنطوان زهرا وسامي الجميّل الذي رفع سقفه، موجهاً أسئلته إلى عدد من الوزراء، فلم يترك ملفاً إلا وطرحه، وملاحظة إلا وسجّلها.
نتيجة هذا الجو، بدا الرئيس سعد الحريري مرتاحاً، مُبتسماً كل الوقت، عكس الجلسة التشريعية الأخيرة. عدّد «إنجازات» حكومته، معتبراً أنها «استطاعت في وقت قصير تحقيق الكثير. إذ اتخذت أكثر من 1260 قراراً، وأوفت بمعظم ما تعهّدت به، مشيراً إلى أنها مستمرة لتحقيق المزيد، ولا سيما في قطاع الاتصالات والكهرباء». وتطرّق إلى «الإنجاز الذي يكتبه الجيش اللبناني بدماء أبطاله، فهو أغلى الإنجازات علينا جميعاً، وهو العنوان العريض لقرار محاربة الإرهاب». غير أن ضحكته ما وسعت إلا حين رأى الرئيس نجيب ميقاتي متوجهاً إليه بعد انتهائه من دوره في الكلام، لمصافحته والشدّ على يديه. هو ميقاتي نفسه الذي شنّ هجوماً على الحريري منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، منتقصاً من قدر الحكومة، لكنه حين اعتلى منبر الهيئة العامة غابت عن لسانه كل الأمور الإنمائية والخدماتية لمدينة طرابلس، فلم يتطرق إلا إلى قانون الانتخابات «الذي ينتابه بعض الشوائب، ويحتاج إلى تعديل لا يمسّ بجوهره»، وسلسلة الرتب والرواتب «المجحفة بحق العسكريين».
بداية الكلام كانت مع النائب أنطوان زهرا. الرجل أصبح متفلتاً من العبء الحزبي، فبدا أكثر قدرة على مهاجمة حكومة تضمّ ثلاثة وزراء قواتيين، معتبراً أن «الثقة معدومة بها». وتحدث عن «تقاسم مصالح ومحاصصة»، مشيراً إلى أنه «في السياسة يجب على المشبوه أن يرفع الشبهة عن نفسه». فيما أعاد النائب فضل الله إثارة عدد من المواضيع التي سبق أن أشار إليها في جلسات سابقة من «ملف الإيجارات والهبات التي تقدمها بعض الوزارات إلى جمعيات غير معروفة، وصولاً إلى الديون المترتبة على بعض الوزارات في ما يتعلق بشبكة الهاتف». وتطرق إلى «المبالغ التي تطالب بها وزارة الاتصالات لتنفيذ عدد من المشاريع»، معتبراً أن «تحصيل الديون كفيل بتنفيذ أكثر من مشروع، بدلاً من المطالبة باعتمادات جديدة». وتناول فضل الله ملف الكهرباء، معتبراً أن «كل تلزيم خارج دائرة المناقصات مشبوه وتفوح منه رائحة صفقات وسرقة»، ولفت إلى أن «إثارة ملفات الفساد لا تهدد الثقة بالحكومة، إنما عدم المحاسبة». هذا الملف كان الأبرز على لسان نواب آخرين منهم روبير غانم. وفيما كان دعم الجيش في معركته ضد الإرهاب هو الموقف المشترك الوحيد بين كل النواب، ذكّر النائب كنعان بقانون برنامج تسليح الجيش الذي أُقر في المجلس النيابي عام 2015، بقيمة 1348 مليار ليرة لتأمين التسليح على مدى خمس سنوات، «من دون أن نرى أي اعتماد مرصود في عام 2016 وموازنة عام 2017». وركّز كنعان على «الرقابة البرلمانية التي قامت بها لجنة المال والموازنة»، منتقداً «غياب بعض أعضائها في كثير من الأحيان، ما أدى إلى فقدان نصاب هذه اللجان».
وحين بدأ الجميّل كلامه، غادر الحريري مقعده إلى خارج القاعة، وعاد قبل انتهائها بقليل، فلم يتسنّ له الاستماع إلى مطالعة رئيس حزب الكتائب الذي قسّم الحكومة إلى «حكومة واحد وحكومة 2»، فسجّل ملاحظات على تخطي القانون والدستور وصلاحيات الحكومة، سواء لجهة الزيارات لسوريا أو ما يحكى عن تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله. كذلك اعتبر أن الحكومة كانت غائبة كلياً في معركة جرود عرسال، لتستفيق فجأة في معركة جرود رأس بعلبك والقاع. وكرر السؤال عن إطلاق موقوفين في سجن رومية في مقابل خروج مسلحي «جبهة النصرة» من جرود عرسال. كذلك تناول إقالة بعض الموظفين في الإدارات العامة دون إنذار، ومشروع الضرائب الذي «سيزيد الغلاء المعيشي بما لا يقل عن 10 في المئة». وطالب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول «صفقة البواخر».
وتوالى على الكلام في الجلسة المسائية عدد من النواب قبل أن يختتم الحريري بردّ شدد فيه على أن «ما يحصل في الجرود هو أكبر ثقة بدور الحكومة والدولة والجيش». وأجاب عن سؤال الجميِّل، فأكد أنه «لم يخرج لبناني أو أجنبي محكوم من السجون اللبنانية بمعرض التبادل مع النصرة. هناك لائحة سلمت للجانب اللبناني فيها 23 اسماً رفضت كلها باستثناء 3 غير محكومين وغير لبنانيين». كذلك ردّ على أسئلة النواب في ما يتعلق بملفي الاتصالات والكهرباء. وعن الهدر الناتج من إيجارات المباني الحكومية، أكد أن الحكومة بصدد تجميع عدد من المباني في بيروت. وفي موضوع الفساد، تمنى على النواب «إذا كانت هناك ملفات على وزراء أو ناس أو إداريين، أن يرفعوا الأسماء، وهناك آلية موجودة في الدستور والقانون يمكن تطبيقها. وأتمنى على القوى السياسية التي تتكلم عن الفساد أن تذهب إلى القضاء وتقول إن فلاناً فاسد». وشدد على أن «الرملة البيضاء للناس، والرئيس رفيق الحريري أبقاها للناس، وأنا سأبقيها للناس».