تكفي متابعة حسابات جمهورَي حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية على وسائل التواصل الاجتماعي، لإدراك أنّ الوضع بينهما أعقد من محاولات إصلاحه. وبحاجة إلى أكثر من «سلام» يُرسله سمير جعجع، بصورة غير مباشرة، إلى سامي الجميل. على الرغم من ذلك، تحاول القوات فتح كوة في جدارهما السميك
الكلام الذي أسرّ به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى نائب حزب الكتائب إيلي ماروني، خلال زيارة الأول إلى زحلة قبل قرابة العشرة أيام، وصل إلى دوائر القرار في الصيفي. عبّر جعجع، ذاك اليوم، عن رغبةٍ في إعادة العلاقة بين الحليفين السابقين إلى مرحلة الوئام، مُنتدباً ماروني حتّى ينقل تحيّات رئيس القوات إلى النائب سامي الجميل.
فضلاً عن نيّة معراب إرسال مندوبٍ من قبلها، الأرجح أن يكون وزير الإعلام ملحم رياشي، إلى البيت المركزي لـ«الكتائب» حتّى يُحاول «ترقيع» الثقوب التي باعدت ما بين الحزبين. حتّى أنّ مصادر زحلاوية، واكبت زيارة جعجع للمدينة، تتحدّث عن «نيّة القوات محاولة التحالف مع الكتائب حيث تسمح الظروف في دوائر جبل لبنان الانتخابية».
خطوات القوات اللبنانية الصغيرة باتجاه الكتائب، وطريقة الترويج لخبر «خلوة» جعجع وماروني في زحلة، تتزامن مع حالة «الهَجر» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لم يقع الطلاق رسمياً بعد، ولكن حدّة الخلافات بينهما تزداد، إن كان في ما خصّ الملّفات داخل مجلس الوزراء، أو في التنسيق لمرحلة الانتخابات النيابية، وأخيراً حول زيارة الوزراء إلى سوريا. ولكن، لا يُمكن لجعجع أن يعود إلى «بيته الأول»، متناسياً سُخريته من «بعض الناس في الفترة الأخيرة الذين يُعارضون لمجرد المعارضة... الفوضويين الذين يريدون هدم كلّ شيء... والمعارضة ليست بالعياط والزعيق والصريخ». قال جعجع كلامه خلال الإفطار الذي نظّمه حزبه في حزيران الماضي. وأضاف إليه جملته: «من لا يستطيع جمع الحدّ الأدنى من الحاصل ليسمح لنا وليذهب يتسلّى في المقهى أو كما يقول زياد الرحباني فليذهب الى ترقيع بنطلونه قبل التنطح». صحيحٌ أنّه لم يُسمّ الجميل مباشرةً، إلا أنّ الكتائبيين شعروا بأنّ الحديث موجّه لهم. يحفظون عبارات جعجع وتوصيفه لـ«معارضة الزعيق» جيداً، لذلك «لن نكون فضلة عشاء القوات، التي تعيد فتح القنوات معنا بعد انتهاء شهر العسل مع العونيين»، بحسب مصادر المكتب السياسي الكتائبي.
خلال اجتماع المكتب السياسي يوم 14 آب، جرى التطرّق وبشكل مُسهب إلى ما دار بين جعجع وماروني، «الذي أطلعنا عن نيّة القوات تحسين العلاقة معنا، وإرسال موفد إلى الصيفي». التعامل مع الأمر كان «على درجة عالية من الجدّية، وكانت هناك عدّة آراء وُضعت على الطاولة». المُشكلة هي في أنّ الكتائب أصبح «في مكانٍ آخر. فخورون بأنّنا بقينا ثابتين مكاننا ولم نُقدم على التسويات التي لجأ إليها (رئيس الحكومة) سعد الحريري وسمير جعجع. في النتيجة، هما أساس التسوية الرئاسية، وكلّ طرف يتحمل مسؤولية خياراته».
الملاحظات الكتائبية على أداء القوات، منذ تبني الأخيرة ترشيح الرئيس ميشال عون، كثيرة، ووصلت إلى حدّ الهجوم بالشخصي بينهما. رغم ذلك، «لنر كيف ستتطور الأمور. القصة ليست كبسة زرّ، وتصريحات جعجع عنا كمعارضة لا تُبّشر بأنّ الأمور تتجه إلى حلّ». إضافةً إلى أنّ الكتائب قرّر «الخروج من النادي السياسي. لدينا سقف ومبادئ، من يريد الالتزام بها أهلاً وسهلاً به. ولكن من الصعب أن تقدر أطرافٌ في السلطة على مجاراتنا به».
لن تكون محاولات رأب الصدع بين الحزبين بالأمر السهل، خصوصاً أنّ الاثنين يبدوان سلبيين برؤيتهما. تُعيد مصادر معراب الرسمية قذف الطابة إلى ملعب الكتائب، مُعتبرةً أنّه «لم تكن في أي مرة لدينا مُشكلة مع الصيفي، بل هي التي افتتحت الخلاف معنا منذ ترشيح عون إلى رئاسة الجمهورية، ثم حمّلتنا مسؤولية إقصائها من الحكومة، وصولاً إلى اعتبار الكتائب نفسه خارج السلطة وبمواجهتها». على رغم ذلك، «لا زلنا نعتبر أنفسنا نتقاطع مع الكتائب في المواقف السيادية والثوابت». كلام مصادر معراب يتناقض مع انتقاد أحد كوادرها قبل فترة، للجميل، بأنّه لو كان حريصاً على 14 آذار لما كان أول المنسحبين منها. كما أنّ الكتائب لا ينفك يُعاير القوات بأنّ «تقديم التنازلات» لحلفاء 8 آذار، يعني التخلّي عن «مبادئ» 14 آذار.
بعد شبه القطيعة في علاقة الكتائب والقوات، تؤكد مصادر معراب أنّ «جعجع أولاً حريص على الكتائب، ولديه عاطفة للحزب الذي انطلق منه». وثانياً، تُحاول القوات تطبيع علاقاتها السياسية «مع مختلف القوى المسيحية. ألا نُحاول ذلك مع الكتائب؟». في هذا السياق، يوضع حديث جعجع مع ماروني في زحلة. أما التحالف في الانتخابات النيابية، فللقوات رؤية أخرى. «نحن في زمنٍ آخر»، تقول المصادر. في ظلّ قانونٍ جديد، «تريد القوات أن تخوض الانتخابات بمعزلٍ عن «كاريتاس 14 آذار» في توزيع المقاعد. كنا سابقاً نتنازل عن مقاعد منعاً لأي اشتباك ومن أجل تكبير حصّة كتلة 14 آذار التي لم ننجح في تشكيلها». هدف القوات حالياً هو الحصول «على كتلة نيابية وازنة، لنستحق من خلالها موقعاً وزارياً متقدماً ونُنفذ مشروعنا الإصلاحي». بناءً على هذه القاعدة، «لا تحالف انتخابياً مع أحد، إلا إذا كان هناك تقاطع ومصلحة ما».