لم تنجح الضغوط الإسرائيلية والأميركية في تعديل مهمّة «اليونيفيل» في مجلس الأمن الدولي لتصبح عدوّاً لحزب الله وأهالي الجنوب. تصدّت فرنسا للاقتراح الأميركي، ومعها دول أوروبية غربية معنية بأمن جنودها المشاركين في هذه القوات، وبالتقيّد بتطبيق القرار 1701، كما أقرّ عام 2006، وليس كما تريده إسرائيل بتحويل «اليونيفيل» إلى حرس لحدودها
فشلت الولايات المتّحدة، أمس، في إقناع مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بتعديل مهمّة قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان، بعد تمهيد امتدّ لأشهر، على وقع تحريض إسرائيلي دبلوماسي واستخباراتي لتحويل «اليونيفيل» إلى حرس حدود لإسرائيل.
فعلى مدى الأشهر الماضية، عملت إسرائيل على تصوير كلّ تحرّك على الحدود اللبنانية وكأنه نشاط مخيف للمقاومة وخرق للقرار الدولي 1701، متعاميةً عن مئات الخروقات اليومية في البر والبحر والجو للسيادة اللبنانية، فضلاً عن التجسس الأمني والاستعلامي المعادي، عبر نشر أبراج مراقبة وكاميرات على كامل الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة. وقبل نحو شهرين، رتّب الإسرائيليون جولة لمندوبة الولايات المتّحدة في الأمم المتحدة نيك هالي على حدود لبنان، شمال فلسطين المحتلة، برفقة ضبّاط كبار في جيش الاحتلال، لإطلاعها على «النشاط الزائد» للمقاومة على الحدود والتهديدات الأمنية لإسرائيل.
وفي تلك الزيارة، وقع اشتباك كلامي بين قائد قوات الاحتلال في الشمال الجنرال أفيف كوخافي وقائد «اليونيفيل» الجنرال الإيرلندي مايكل بيري، الذي رفض اتهامات هالي وكوخافي بتغاضي قواته عن نشاطات المقاومة في الجنوب، مؤكّداً للدبلوماسية الأميركية أن الاتهامات الإسرائيلية عارية من الصّحة. وتتابع إسرائيل ضغطها على الدول الغربية وعلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتعديل صلاحيات «اليونيفيل»، وتحويلها إلى قوّة اشتباك تتدخّل متى يطلب الإسرائيليون منها ذلك لوقف «نشاطٍ ما» يرون فيه تهديداً لأمنهم من الأراضي اللبنانية. وبدا واضحاً، رهان إسرائيل على الإدارة الأميركية الجديدة لفرض إرادتها في مجلس الأمن، في وقت يعتبر فيه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب أن قوات «اليونيفيل»، ما دامت لا تردع حزب الله عن تهديد إسرائيل، فإن وجودها لم يعد ضرورياً. واتضحت هذه المطالب في ما كتبه قبل أيام المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون في صحيفة «وول ستريت جورنال»، مشيراً إلى ثلاث حاجات تطلبها إسرائيل من تعديل مهمّة اليونيفيل. أوّلها رفع مستوى وجود هذه القوّات داخل قرى الجنوب، بما يتضمن قيامها بأعمال تفتيش ودهم داخل القرى، وثانيها تزويد مجلس الأمن بأي خروقات للقرار 1701 بشكل مستمر، وثالثها إصرار قوات اليونيفيل على تفتيش أي منشأة «تبعث على الشكّ» كمراكز بعض الجمعيات غير الحكومية التي تعمل في الجنوب، في إشارة إلى إحدى الجمعيات البيئية التي تهتم بالأحراج على الحدود مع فلسطين المحتلّة.
وزاد الطين بلّة، بالنسبة إلى العدو، القلق من اتفاق وقف التصعيد في الجنوب السوري الذي ترعاه روسيا. إذ تقوم إسرائيل منذ نحو شهرين بمحاولات ضغط لتعديل الاتفاق بما يضمن مصالحها بإبعاد الدولة السورية وحلفائها عن حدود الجولان المحتلّ، بذريعة وجود تهديد من حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني، فيما المطلوب حقيقةً هو الحصول على منطقة عازلة تضمن لجماعة إسرائيل من المعارضين السوريين المتعاونين معها وبعض المنظمات المرتبطة بـ«القاعدة» الحفاظ على وجودهم هناك، وهو ما لم تقدّمه روسيا لإسرائيل، ولا تقبل به القيادة السورية أصلاً. ويمكن القول إن زيارة رئيس وزراء كيان العدوّ بنيامين نتنياهو لروسيا أمس ومحاولاته إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بتعديل اتفاق الجنوب، تصبّ في الخانة نفسها، خصوصاً بعد عودة الوفد الأمني الإسرائيلي من أميركا خالي الوفاض.
إلّا أن الموقف الإسرائيلي المدعوم أميركياً، يواجه رفضاً أوروبياً قويّاً لأي تعديل في مهمة «اليونيفيل» التي يفترض تمديد عملها نهاية الشهر الجاري لستّة أشهر جديدة. وتقود فرنسا الرفض الأوروبي، وتدعمها ألمانيا وإسبانيا والسويد ودول أخرى تشارك في القوات الدولية في الجنوب.
وأكّدت مساعدة مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة آن غيغين، أمس، أن باريس تريد «إبقاء التفويض كما هو، أي كما حدده القرار 1701 الذي صدر عام 2006 لجهة احترام وقف الأعمال الحربية بين إسرائيل وتنظيم حزب الله». وكان قد سبق لوزير الخارجية جبران باسيل، أن وجّه رسالة إلى نظرائه في الأمم المتحدة، مطالباً بإبقاء التفويض المعطى لـ«اليونيفيل» كما هو، وأشار بيان لوزارة الخارجية اللبنانية إلى أن الدول المعنية تعاطت بإيجابية مع الموقف اللبناني، ولا سيّما ردّ وزيرة خارجية السويد مارغو والستروم.
وقالت مصادر معنيّة لـ«الأخبار» إن موقف الحكومة اللبنانية والكتل السياسية هو «الرفض القاطع لأي تعديل في مهمّة اليونيفيل»، وهذا الموقف «نهائي مهما تعاظمت الضغوط الأميركية والإسرائيلية». وقالت المصادر إن «الولايات المتحدة تدرك جيّداً صعوبة إمرار هذا القانون الذي يحظى برفض دولي، روسي وصيني، مضافاً إلى الرفض الأوروبي».
واستبق الحديث عن تعديل مهمّة اليونيفيل في الجنوب، كلامٌ عن خفض مالي لهذه القوات، قد يؤثّر بعملها، مع ازدياد الضغط الأميركي لتخفيف الأعباء المالية عن عددٍ من برامج وقوات الأمم المتحدة العاملة في العالم. وعلمت «الأخبار» من مصادر دبلوماسية غربية، أن «خفض الكلفة لن ينعكس على قوات المشاة المنتشرة في الجنوب، والاتجاه هو لتخفيف الأعباء عن القوات البحرية، وربّما تُسحَب إحدى البوارج الحربية العاملة ضمن القوات الدولية مقابل الشاطئ اللبناني». وقالت المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها إن «الأميركيين يعرفون أن هناك استحالة لتعديل مهمة قوات اليونيفيل»، وأن «الدول الأوروبية لن تضع جنودها في خطر المواجهة مع حزب الله الذي يملك تعاطفاً كبيراً من أهالي الجنوب، وبالتالي ما يفعله الأميركيون فقط هو إظهار التعاطف مع نتانياهو ومحاولة تهدئته ليس أكثر».
كذلك لا تلقى دعوات بعض اللبنانيين إلى توسيع مهمّة «اليونيفيل» لتشمل الحدود اللبنانية ــ السورية، مثل تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، آذاناً صاغية في الأروقة الدولية. وإذا كانت غاية هؤلاء وضع وصاية دولية على الحدود اللبنانية ــ السورية بغية حصار المقاومة وإقامة فصل عسكري ـــ سياسي مع سوريا، فإن أولويات الدول المعنية بتوسيع مهمات «اليونيفيل»، لا تتلاقى مع مصالحهم، فضلاً عن العجز المالي الذي تعانيه الأمم المتّحدة، وحرص الدول الأوروبية على حماية جنودها والتزام القوات الدولية قراراتِ الأمم المتّحدة التي تلقى توافقاً من جميع الأطراف، بما يضمن أمن الجنود الأوروبيين وسلامتهم. على صعيد آخر، وفيما هدأت الجبهة ضد إرهابيي «داعش» من الجهة اللبنانية، في قرار اتخذته قيادة الجيش لفتح باب البحث في مصير العسكريين المختطفين، استمرت قوات الجيش السوري وحزب الله في عملياتها المكثّفة من الجهة السورية، محققة تقدماً كبيراً ضد التنظيم الإرهابي.
وقالت مصادر معنيّة لـ«الأخبار» إنه «لا تقدّم حتى الآن في ما خصّ الحصول على معلومات عن العسكريين المخطوفين»، مشيرةً إلى وجود «حالة من التخبّط وتعدّد مصادر القرار لدى الإرهابيين، ما يصعّب مهمّة المفاوضين».
من جهته، جال رئيس الحكومة سعد الحريري برفقة قائد الجيش العماد جوزف عون على بعض المناطق التي حررها الجيش في مرتفعات راس الحمرا، واستمع من عون وقادة الوحدات العسكرية إلى سير العمليات.
وشهدت المحاور الثلاثة من الجانب السوري حالةً من الانهيار المعنوي الكبير في صفوف التنظيم، بعد عملية الالتفاف والطوق على مساحة كبيرة أول من أمس. وباتت مجموعات الإرهابيين محاصرةً في مساحات جغرافية محدّدة، بالقرب من «حليمة قارة» و«وادي مرطبيه» و«قرنة شعبة القصيرة» و«وادي الشاحوط» و«صدر شعبة ديشار» و«خربة الروميات».
وسيطر السوريون والمقاومة أمس على مرتفع «قرنة شعبة البحصة» في جرود الجراجير من المحور الجنوبي، مكبّدين العدو خسائر في الأرواح. كذلك تمت السيطرة من المحور الشرقي على «قبع إسماعيل» و«شعبة حرفوش» في جرود البريج، بالتزامن مع غارات عنيفة من سلاح الجو السوري على تجمعات وتحصينات الإرهابيين في «حليمة قارة» و«القريص» ومعبري مرطبية والروميات.