قال العرب قديما انّ من شابه اباه ما ظلم. لذا، لا يمكن بأي حال من الاحوال العتب على الابن ان كرّر او حاول تكرار تجربة ابيه، ولو بمجرّد كلام لا قيمة له في موازين المواقف.
لن نعود الى سيرة بشير الجميّل الذاتية والتي لم تكن يوما مشرّفة. فهو، وان تبوأ ذات يوم منصب "رئيس الجمهورية"، الا انه دفع ثمن ما قام به ونال العقوبة التي استحقها، يوم اعدمه بطل حبيب، حبيب الشرتوني. اما نديم، ابن بشير، والذي كان طفلا يوم كان ابوه يتبجح بعلاقاته مع العدو الصهيوني بحجة حماية الوجود المسيحي، فيبدو اليوم خلال تصريحه بأنه قد يستعين بـ"إسرائيل" لحماية الوجود المسيحي كمن ينطق بصيغة كلامية لا يفهم معناها. بدا وكأنه ما زال طفلا يلهو بتكرار الكلمات فيما والده مجتمع مع ضباط الموساد.

يريد نديم ابن بشير الجميل ان يحمي الوجود المسيحي. لا بأس. دعونا نخض المسألة بالقدر المستطاع من "حسن النية".
حين تسمع باسم احدهم، اول ما يخطر ببالك هو من يكون، بمعنى من يمثّل؟ وهنا السؤال مشروع، من يمثل نديم؟ بموضوعية شديدة وبعيدا عن الموقف المسبق، نديم بالكاد يمثّل نفسه. وبالتالي، هواجسه حول الوجود المسيحي هي هواجس تخصّه وقد تكون انعكاسا لحالة عصبية تصيبه بسبب شعوره بالاقصاء من قبل عمه الذي اورث الكتائب لابنه فيما يعتبر نديم نفسه الاولى والاحق بوراثة حزب ابيه. ذلك شأن عائلي لا يحق لنا التدخل فيه عموما. الا اننا، وللأمانة، اوردنا ذلك كاحتمال معقول قد يكون خلف ما تفوه به. واغلب الظن انه يدري ان لا قيمة تمثيلية له حتى في كنف العائلة لذلك بحث طويلا في مكتبة ابيه، ووجد شعار حماية المسيحيين من بين  شعارات قديمة وظن انها ستجذب المسيحيين كما كانت تفعل حين كان يقولها والده. لم ينتبه ربما ان الزمن تقدم بنا، وان زمن العين التي لا تقاوم المخرز انتهى واننا في زمن اسمه "زمن الانتصارات".

الوجود المسيحي، المحمي في زمن الانتصارات هذا، كما لم يكن محميا في اي مرحلة من مراحل تطور النظام اللبناني، يعرف جيدا ان شعارا كالذي ورد على لسان نديم هو نوع من السذاجة في السياسة ويعكس انعدام وجود الحد الادنى من الوعي التاريخي والسياسي. وهو يعكس ايضا جهلا تاما بطبيعة الكيان الصهيوني. من جهة، يعرف المسيحيون، ولا سيما بعد التطورات الاخيرة في لبنان والمنطقة، ان "الكيان العدو" لم ولن يكون معبر حماية لهم، بل على العكس من ذلك. يستشعر "الوجود المسيحي" الخطر التكفيري وابعاده ومنطلقاته ويمتلك الوعي الكامل بأن لا حماية من هؤلاء الا بمواجهة رأس الافعى، التي احد اذيالها "الكيان الصهيوني" وبالتالي التعامل معهم من اجل حماية الوجود المسيحي هو كلام فارغ تماما.

من جهة اخرى، اعتاد الصهاينة على تجنيد العملاء منذ انشاء كيانهم المغتصب لأرضنا في فلسطين. لكنهم شديدو الحذر والانتقائية، وحين يريدون التفاعل والتعامل مع عامل في الشأن السياسي، فهم لن يقعوا في فخ التعامل مع من لا يمتلك اي تأثير حتى في محيطه الاضيق. وبالتالي، ان حدث وسمع احد الصهاينة ما قاله نديم اليوم، قد يموت مغشيا عليه من شدة الضحك.

وبعد، تتكرر هفوات نديم والتي تعود ربما الى خصائص نفسية مركبة لن نستطيع فك رموزها، فهو يوما يقف عند قارعة طريق بشارة الخوري يهدد ويتوعد، وطورا يخرج الى الناس بتصريحات غريبة عجيبة، تضعه في خانة من لا يكلف عقله عناء سماع نشرات الاخبار. فهو لو شاهد اهالي بلدة القاع وهم يعدون بلدتهم لاستقبال الاسرى المحررين بعد انتصار حزب الله في جرود عرسال، لخجل من نفسه ومن سلالته التي يدرك المسيحيون قبل غيرهم انها كانت عارا وطنيا عليهم. 
الوجود المسيحي بأمان، والاغلبية المسيحية التي تربطها بالمقاومة ورقة تفاهم وعهد احرار. فإن كان هذا الوجود هو حجة نديم للحنين الى "اسرائيل" فهي حجة ساقطة. بقي ان نقول، ان العرب قالت قديما ان "العرق يمد لسابع جد"، فاقتضى التوضيح.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع