شكلت زيارة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لبيروت، منذ أول من أمس، رسالة بالغة الأهمية في سياق الأحداث السياسية والأمنية الأخيرة في المنطقة ولبنان، ولا سيما أنها تلت مباشرة جولة مماثلة لمساعد ​وزير الخارجية​ الإيراني للشؤون العربية والأفريقية ​حسين جابري أنصاري​ على المسؤولين اللبنانيين.
في سياق الاهتمام الإقليمي بلبنان ما بعد معركة «تحرير الجرود»، يفترض أن لا يكون تزامن الزيارتين مجرّد مصادفة. أضف الى ذلك أنهما تزامنتا أيضاً مع إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن «دبلوماسيين سعوديين سيزورون إيران لتفقد السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد، فيما سيزور نظراؤهم الإيرانيون السفارة الإيرانية في الرياض»، في ما يبدو أنه محاولات لرأب الصدع بين الدولتين، علماً بأن لبنان واحدة من ساحات تصادمهما، وأيضاً من ساحات التعبير عن إرهاصات تقاربهما.
أكثر من طرف سياسي مطّلع على أجواء اللقاءات التي عقدها السبهان مع مسؤولين لبنانيين أجمعوا على أن هدف الزيارة هو «إيصال رسالة سعودية، مفادها أن المملكة معنية بشؤون هذا البلد، وأنه لا يزال يدخل ضمن أولوياتها».

أما توسيع مروحة لقاءات المسؤول السعودي فهو مرتبط أولاً «بترتيب البيت السني، وثانياً بترتيب ما كان يُسمّى فريق 14 آذار، ليس من منطلق خلق فرز جديد أو التصعيد ضد حزب الله، إنما لترسيخ قواسم مشتركة تساعد الرياض على تحقيق توازن مع الوجود الإيراني».
مصادر بارزة أشارت الى «انطباع بأن الوزير السعودي حاول في لقاءاته الترويج بأنه، على عكس الترويج الإيراني، ليس في المشهد الإقليمي بعد أرجحية لانتصار طرف على آخر». وفي تقدير المصادر أن «عودة السبهان الى بيروت بعد أشهر من زيارته الأخيرة، تدخل ضمن نطاق الزيارات التي تحاول المملكة من خلالها تظهير نفسها لاعباً أساسياً في لبنان، لن يترك ساحته لقمة سائغة للإيرانيين وحدهم». غير أن توقيتها الذي تزامن مع معركة الجرود زاد على ذلك هدفين آخرين. أولهما، القول بأن المملكة تدعم هذه المعركة، مع ما يتردّد من معلومات عن «إمكانية إعادة فتح ملف الهبة للجيش اللبناني، انطلاقاً من الثقة التي انتزعتها المؤسسة العسكرية عبر إثبات جدارتها في المعركة». وثانيهما، مرتبط بدخول سوريا في مرحلة انتقالية، إذ يؤكد السبهان أنه «مع دخول سوريا هذه المرحلة، لن تكون المملكة خارج إطار الهندسة المخططة للمنطقة».
بل «هي معنية بكل الملفات العربية، وبناء عليه ستعمل على إعادة سوريا إلى مرجعيتها العربية لا على إبقائها تحت العباءة الإيرانية». وبينهما يجري التركيز على «مشهد لبنان في ظل هذه المرحلة وما بعدها»، ولا سيما «التأكيد على ضرورة الحفاظ على استقرار البلد الأمني والسياسي».
بحسب مصادر الشخصيات التي التقاها السبهان حتى الآن، كانت الاجتماعات «جيدة جداً». ولعلّ أهم ما برّد قلوب حلفاء المملكة هو «إشارة الرجل إلى أن التقارب الذي يحصل بين إيران والمملكة لا يمنع بأن التنافس على الساحات العربية لا يزال قائماً». وأن «أي جلسات ثنائية بين الطرفين ستتناول بالدرجة الأولى ترسيم النفوذ، وعدم السماح بترك الساحات للطرف الإيراني وحده». أما في الساحة اللبنانية «فهي لا تزال تخضع للتجاذب السعودي – الإيراني». والدليل «تزامن الزيارتين، وقد كانت زيارة السبهان مقررة قبل زيارة الموفد الإيراني». غير أن نقطة الالتقاء الوحيدة بينهما حتى الآن هي «الاتفاق على تبريد ساحة لبنان، وإبعادها عن التوتر في انتظار وضوح المشهد، إن كانت العلاقات تصادمية أو تقاطعية». فيما رجحت المصادر نفسها، انطلاقاً ممّا دار في اللقاءات أن «لا تكون مشهدية جولة السبهان للعراضة فقط، وقد تنتج منها خطوات عدة، من المرجح أن تبدأ برفع مستوى تمثيل المملكة الدبلوماسي وتعيين سفير لها في بيروت».

المصدر: ميسم رزق - الأخبار