"التأييد الموجّه والموحّد لـ"حزب الله" يضع القطاع الإعلامي بعد المصرفي في واجهة الخطر"، تهديد علني غير مبطّن تضمّنه المقال المنشور على صفحات جريدة "النهار" البيروتية بتاريخ الأول من آب/أغسطس الحالي وبالعصا الاميركية.
دون مواربة، أعلن كاتب المقال عن قلق "مموليه" الخليجيين من "التعاطف الشعبي" مع المقاومة خلال عملية تحرير جرود عرسال اللبنانية من جبهة "النصرة" الارهابية". الكاتب عزا سبب هذا "التضامن" إلى "تأثير الإعلام الذي بات موحداً، في نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعات والمواقع الإلكترونية وسواها"، وأضاف "تجسد الالتحاق بالموجة "الحزب إلهية" بمواقف لمواقع ورموز سياسية وإعلامية واجتماعية ورياضية".
الأيام العصيبة التي مرّت على إرهابيي جبهة "النصرة" خلال معركة الجرود، انسحبت كذلك على داعميهم في ما وراء الحدود. فبحسب اعتراف الكاتب "ليس هيّناً أن يتجند مراسلون ومراسلات لمحطات رئيسية مدى أيام متلاحقة لخدمة وجهة نظر "الإعلام الحربي" وتمجيد "حزب الله" على الهواء مباشرة، وبانفعال لا يتوقف عند أي تحفظ".
الالتفاف الشعبي حول المقاومة خلال المعركة أغاظ دولاً خليجية وسفارات أجنبية تغطي جرائم تلك الدول التي لطالما سعت الى بسط نفوذها "من خلال سطوة المال" على وسائل اعلام لبنانية، وضخ مليارات الدولارات لتشويه صورة حزب الله. كلّ هذه الجهود انهارت أمام الحقيقة الناصعة التي أراد البعض إخفاءها، لكنه كان كمن يخفي نور الشمس بإصبعه.
نعود الى الكاتب واعترافاته الخطرة.. يكتب "أثار هذا الوضع غير الطبيعي استياءاً لدى دول خليجية عبّرت عنه إعلامياً، للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الخليجية – اللبنانية، بالإعلان بشكل واضح وصريح وبالأسماء، أن هناك وسائل إعلام وازنة ومتنوعة الاتجاه في لبنان تلقت أموالاً طائلة لمساعدتها من الخليج وها هي تخدم "حزب الله" ومن خلفه إيران".
الاستياء الخليجي ترافق مع تهديد صريح لوسائل الإعلام بضرورة العدول عن قول الحقيقة ومواكبة إنجازات وتضحيات المقاومة. الترهيب هذه المرّة جاء من باب العقوبات المالية على القطاع الاعلامي. يقول مقال "النهار" "قد يعرّض هذا اللوم القطاع الإعلامي اللبناني لمزيد من المعاناة المالية، خصوصاً إذا اعتمدت دول خليجية فكرة إنزال "عقوبات" على الترويج للحزب الذي تعتبره إرهابياً".
المقال التهديدي الذي نشرته صحيفة "النهار" اللبنانية، يبدو أنه لاقى آذاناً صاغية من بعض الإعلام. ففيما ينتقد المقال "ترسيخ "وحدة الجيشين والشهداء" في الأذهان"، غامزاً من قناة وحدة دماء شهداء الجيش اللبناني والمقاومة الاسلامية على أرض المعركة، أظهرت بعض وسائل الاعلام تجاوباً مع الأوامر "الخليجية". فكيف كان ذلك؟
فيما كانت وسائل الاعلام اللبنانية خلال معارك تحرير جرود عرسال تنقل بشكل مباشر خطاب الأمين العام لحزب الله حول سير المعارك، تجنّبت بعضها خلال معركة "وإن عدتم عدنا" تغطية خطاب الأمين العام بشكل مباشر. كما كان لافتاً تغييب أخبار المعركة التي تجري من الجهة السورية، علماً أنها تتكامل بشكل تلقائي مع معركة الجيش اللبناني. فلا يمكن من ناحية "الموضوعية" تغطية معركة تحرير الجرود من ارهابيي "داعش" من جهة واحدة، واغفالها من الجهة الأخرى، وهذه معادلة تفرضها الجغرافية الواحدة على جانبي الحدود.
التعتيم الاعلامي على معركة "وإن عدتم عدنا"، ترافق مع شيء من "الانحطاط الأخلاقي" في التعاطي مع القضايا الانسانية المحيطة بالمعركة. الشهداء الذين عادة ما يكونون منزّهين عن أي نزاع سياسي أو تفصيل ضيّق، باتوا لدى بعض وسائل الاعلام اللبنانية أداة انتقام سياسية من الشعب المضحي المقاوم. على ايقاع "الشهادة"، عزف بعض الاعلام لعبة الانحطاط، فكان التمييز بين "شهيد" و"قتيل" موضع انتقادات شعبية واسعة.
نشرة الأخبار عينها التي قد تستمع لها على الاذاعة، أو تشاهدها عبر شاشة التلفاز، أو المقال الذي تقرأه في جريدة، ستلاحظ فيه حتماً "لغة الانفصام" في عرض الوقائع. لا يرى بعض القيّمين عليها عيباً في تسمية الجندي في الجيش اللبناني الذي يرتقي في معركة "فجر الجرود" بـ"الشهيد"، فيما تسمي المقاوم الذي يرتقي على بعد كيلومترات قليلة، وفي سياق معركة واحدة ضد عدوّ واحد، في معركة "وإن عدتم عدنا"، بـ"القتيل". هذه هي حصيلة معادلة "العصا والجزرة" التي تتبعها دول خليجية مع الاعلام اللبناني. وهذا ما بفعله الحقد الأعمى، بأصحاب القلوب الضعيفة، ليصبح الشهيد المقدّس، "قضية خلافية".
خلاصة القول هي بضع كلمات قالها الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير حول معركة الجرود (24-8-2017): ""اصطفلوا" تستطيعون أن تكملوا بهذه الطريقة، لكن هذا سقوطٌ أخلاقيٌّ".